تحفيز القطاعات المنتجة للاقتصاد الوطني

تركّزت السياسات والإستراتيجيات منذ بدأت مبادرات وبرامج رؤية السعودية 2030، على تحفيز وتطوير وتسريع معدلات نمو الاقتصاد المنتج بجميع نشاطاته. وكما أنّه يوجد أخطار محتملة قد تعترض طريق رأس المال "الاستثمار" في أي مجالٍ كان، وهو أيضاً ما سيعترضه بالتأكيد في طريق تحفيز قدرات الاقتصاد المنتج، والاستثمار الكلي في تعزيزه وتنويعه بدرجةٍ أكبر.

وهي أخطار عديدةٍ، منها الخارجي؛ كالأوضاع التي يمر بها الاقتصاد العالمي الذي يشهد خلال الفترة الراهنة مستويات عالية من التقلبات، وما قد يطرأ عليه من أزماتٍ اقتصادية ومالية وتجارية، أو حتى توتراتٍ جيوسياسية، وأمثلة ذلك ليست بالبعيدة عن المشهد العالمي، بدءاً من الجائحة العالمية لكوفيد-19 مروراً بالصدمة التضخمية الأكبر منذ مطلع الثمانينيات الميلادية وما ترتّب عليها من سياسات نقدية متشددة، وصولاً إلى الاضطرابات الجيوسياسية في شرق أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط.

ومن تلك الأخطار ما قد يكون داخلياً؛ التي تولّت مبادرات وبرامج رؤية السعودية 2030 معالجتها من الجذور منذ اليوم الأول لبدء تنفيذها، كان من أبرزها تطوير البيئة التنظيمية وتحديثها في جوانب منها، وفي جوانب أخرى إقرار تنظيمات جديدة وحديثة اقتضتها المرحلة المتقدمة التي وصل إليها الاقتصاد الوطني، عدا ما نجحت بامتيازٍ فيه رؤية السعودية 2030 على مستوى تحقيق التكامل بين جهود مختلف الأجهزة والجهات المشاركة في القطاعين العام والخاص، تأكّدت مؤشرات نجاحه في التقدّم المذهل الذي وصلت إليه تطبيقات الحكومة الالكترونية، وأثبته عن استحقاقٍ التعامل العالي الكفاءة مع تداعيات الجائحة العالمية لكوفيد-19، وهو ما حظي بكثير من الشهادات الدولية المستحقة بحمد الله.

رغم كل ما تقدّم من نجاحاتٍ متميزةٍ، إلا أنّه لا زال جزءاً من تلك الأخطار الداخلية قائماً، المتمثل في استمرار "المضاربات" بالأموال في عديدٍ من الأصول أو السلع، وهو ما يطلق عليه (الجزء من الاقتصاد غير المنتج)، يأتي على رأسها وأكبرها المضاربات على الأراضي، التي أدّى وجودها إلى اجتذاب مزيد من الأموال والثروات الطائلة من سيولة الاقتصاد، وجاء ذلك على حساب فرصٍ استثمارية واعدة للاقتصاد كانت أولى بكل تأكيدٍ بتلك الأموال والثروات.

ولم يقف أثرها العكسي عند هذا الحد فحسب، بل امتد إلى زيادة تضخم أسعار الأراضي ورفع تكلفتها على الاستثمارات (الاقتصاد المنتج)، ووصل في عديدٍ من الحالات إلى التسبب في توقف تلك الاستثمارات وعدم اكتمالها، ما حرم بدوره الاقتصاد الكلي من تدفقاتها وتحولها إلى داعمٍ ومساهمٍ فاعل في النمو وفي التنوع الإنتاجي وعلى مستوى زيادة فرص العمل، هذا عدا آثارها العكسية على الاستثمارات القائمة، وما تسببت فيه برفع تكلفة توسّع نشاطاتها، أو حتى من خلال الآثار غير المباشرة التي ترتبت عليها الارتفاعات القياسية لأسعار الأراضي في مراحل تالية، ظهرت من خلال ارتفاع تكلفة الإيجارات على مختلف المنشآت الاستثمارية في القطاع الخاص، وامتدت قبل ذلك إلى مختلف شرائح المستهلكين في المدن الرئيسة على وجه الخصوص، وتدخل حلول مواجهة تلك التحديات ضمن مهام ومسؤوليات البرامج والمبادرات الرامية إلى حمايةً مقدرات الاقتصاد الوطني وبيئة الاستثمار المحلية، التي لا بد من أخذها في الحسبان من قبل القائمين على تلك المبادرات الطموحة، والتأكيد على أنّ معالجتها تعد من أهم الركائز المؤدية إلى نجاح تحققها على أرض الواقع بمشيئة الله تعالى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي