المنتديات الدولية والقرارات الاقتصادية المربحة

يُـقام مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ هذا العام (مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون) في باكو على خلفية جيوسياسية مضطربة. فإضافة إلى التحالفات الإستراتيجية المتغيرة، والتوترات التجارية، والصراع العنيف، أذن "عام الانتخابات" بقدوم فترة من الخطاب السياسي المحتدم وأدى إلى تغيرات في الحكومة.

لكن هذا لا ينبغي أن يصرف انتباهنا عن الحالة التي أصبح عليها الكوكب والاقتصاد الحقيقي حاليا. تتزايد التأثيرات والتكاليف المترتبة على تغير المناخ. وتتعاظم وتيرة وشِـدّة ظواهر الطقس القاسية من الأعاصير في منطقة الكاريبي إلى الفيضانات الكارثية في أوروبا والجفاف في الأمازون، وهذا يزيد من خطر انعدام الاستقرار المالي، وخاصة في بلدان العالم الأشد عُـرضة للأخطار والأكثر تحملا للديون.

من ناحية أخرى، تنطلق ثورة الطاقة بكامل قوتها الآن بالفعل: إذ يتزايد نشر مصادر الطاقة المتجددة بسرعة هائلة، والآن أصبح الاستثمار السنوي في مصادر الطاقة النظيفة. كما أصبح المواطنون والشركات على بَـيّـنة بشكل متزايد من الحاجة إلى الاستثمار في التكيف مع تغير المناخ.

وخلال هذه الفترة نما اقتصاده بنسبة 68%. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تلبي مصادر الطاقة المتجددة ما يقرب من نصف الطلب العالمي على الكهرباء بحلول 2030.

بعد سنوات من التحذيرات والدعوات المنادية بالتحرك، تظهر أخيرا علامات تشير إلى أن التحول الأخضر يجري الآن على قدم وساق. والسبب بسيط: فقد أصبحت الطاقة النظيفة الآن أرخص  ، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى تحسن تخزين البطاريات. ونتيجة لهذا، فإن التصرف الصحيح الواجب الآن من أجل كوكبنا هو أيضا التصرف الذكي من أجل اقتصاداتنا. الواقع أن كل دولار يُــستَـثـمَر في التكيف مع تغير المناخ والقدرة على الصمود في مواجهته من الممكن أن يوفر ما بين 5 إلى 7 دولارات من تكاليف التعامل مع الكوارث في المستقبل، ناهيك عن الأرواح وسبل العيش.

تدرك معظم الشركات هذه الحقيقة تمام الإدراك وقد تصرفت وفقا لذلك. حتى أن نحو 60% من أكثر من 12000 شركة في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة شملها استطلاع مجموعة بنك الاستثمار الأوروبي تستثمر في التحول الأخضر، في حين اتخذت 90% منها تدابير للحد من الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري. إن تقليل النفايات، وخفض التكاليف، وتعزيز القدرة على الصمود غايات منطقية من الناحية التجارية.

في مجموعة بنك الاستثمار الأوروبي، نلتزم بأكثر من نصف قروضنا السنوية ــ ما يقرب من 50 مليار يورو (53 مليار دولار) سنويا ــ لتمويل مشاريع تعمل على التعجيل بالتحول الأخضر في أوروبا وخارجها. ويساعد الاستثمار على المرونة والتكيف مع المناخ في الداخل في حماية بنيتنا الأساسية، وزراعتنا، وسبل معايشنا، ويعمل على تمكين التعافي السريع القوي من الكوارث، مثل الفيضانات المميتة التي غمرت بلدات بأكملها في أوروبا الوسطى في سبتمبر واجتاحت موطني إسبانيا في أكتوبر.

يعمل بنك الاستثمار الأوروبي على زيادة حصته من الاستثمارات الخضراء خارج الاتحاد الأوروبي، ودعم الدول الجزرية الصغيرة على الخطوط الأمامية لتغير المناخ، وتمويل البنية الأساسية المرنة في مختلف أنحاء العالم، وتعزيز سوق السندات الخضراء العالمية.

تولت بنوك التنمية المتعددة الأطراف زمام المبادرة على هذه الجبهة، حيث استثمرت مبلغا قياسيا قدره 125 مليار دولار في المشاريع الخضراء في 2023، وضاعفت مبلغ التمويل من القطاع الخاص مقارنة بعام 2022. إضافة إلى تخطي تعهداتنا، نحن ملتزمون بالعمل معا لمواصلة حشد تمويل العمل المناخي في السنوات القادمة.

التعاون العالمي هو السبيل الوحيد لدفع التحول على نطاق الكوكب بالكامل. والتحول الأخضر جارٍ بالفعل، ويرجع هذا جزئيا إلى جهودنا المشتركة. ولكن يتعين علينا أن نواصل على هذا المسار، فنبني على عمل المنتديات الدولية وأطر صنع القرار القائمة لإيجاد حلول مربحة للجميع وتعمل على تعزيز الأمن، والاستقرار، والرفاهية في كل بلدان العالم.


خاص بـ"الاقتصادية"

بروجيكيت سنديكيت

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي