"الفيدرالي" في أزمة.. هل تفقد أذون الخزانة الأمريكية جاذبيتها؟
مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض مجددًا، تمهد الطريق لتحول قادم في المشهد الاقتصادي للولايات المتحدة، أحد أبرز جوانبه يكمن في نظرة الرئيس الأمريكي وكبار العاملين في إدارته، وأبرزهم الملياردير المثير للجدل إيلون ماسك، للدور الذي يجب أن يؤديه الاحتياطي الفيدرالي في الاقتصاد الوطني.
كما يكمن التحول أيضا في حجم الصلاحيات المتاحة للرئيس في علاقته برئيس الفيدرالي الأمريكي، بما في ذلك الحق في عزله في أي وقت، وهو ما لا يسمح به القانون الأمريكي حاليا، ولا شك أن رؤية ترمب هذه ستكون مؤثرة جوهريا وعميقا في النمو الاقتصادي والتوظيف والتضخم، بما قد يعيد تشكيل الاقتصاد الأمريكي برمته.
تميزت علاقة دونالد ترمب بالاحتياطي الفيدرالي خلال فترة ولايته السابقة باحتكاك ملحوظ. وأبرزت انتقاداته المتكررة لرئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول ومطالباته بخفض أسعار الفائدة صراع الأولويات؛ إذ تركز إستراتيجية ترمب الاقتصادية على النمو، بينما تتمثل مهمة الاحتياطي الفيدرالي في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي من خلال سياسة نقدية متوازنة.
الدكتور هنري ولكر، الاستشاري في مجال الاقتصاد الكلي، يقول لـ"الاقتصادية": "مع إعادة انتخاب ترمب، قد يواجه الاحتياطي الفيدرالي تدقيقًا متزايدًا بشأن سياسات أسعار الفائدة، فيمكن أن يحفز النهج الاقتصادي وتخفيضاته الضريبية معدل النمو، ولكنه يخاطر بارتفاع التضخم. بينما رفع أسعار الفائدة يمثل الاستجابة النموذجية لبنك الاحتياطي الفيدرالي لمواجهة التضخم، وهو ما يتعارض مع رغبة ترمب في خفض تكاليف الاقتراض لتغذية مزيد من التوسع الاستثماري".
يرى ولكر أن تباين رؤية ترمب مع دور الفيدرالي الأمريكي يمهد الأرضية لصراع بين الجانبين. ومن هذا المنطلق، يعتقد بعض الخبراء أن التآكل المحتمل لاستقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي في ظل إدارة ترمب سيكون موضوعًا رئيسيًا على جدول أعمال الاقتصاد الأمريكي في السنوات الأربع المقبلة.
ورغم أن ترمب أعلن أنه سيسمح لباول بالاستمرار في منصب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي حتى نهاية ولايته الحالية في مايو 2026، وتصريح باول بأنه لن يستقيل إذا طُلب منه ذلك، فإن الانتقادات والضغوط التي سيمارسها ترمب وأعوانه قد تقوض الثقة في عملية صنع القرار في بنك الاحتياطي الفيدرالي.
وتعلق ليندا فيليب، كبيرة الباحثين سابقًا في بنك إنجلترا، بقولها: "الاستقلالية هي حجر الزاوية لأي بنك مركزي موثوق به. فقدان الاستقلالية يثير تساؤلات حول ما إذا كان المحرك لقرارات البنك المركزي النقدية هو التحليل الاقتصادي المحض أم أن هناك دوافع سياسية وراء تلك السياسات".
وتضيف: "تعيين ترمب للموالين له في مناصب رئيسية في بنك الاحتياطي الفيدرالي يزيد من تعقيد الأمور، ويجعل الفيدرالي يتبنى موقفًا أكثر حمائية يتماشى مع أجندة ترمب الموجهة نحو النمو".
البعض يرى أن الأسواق المالية قد تتفاعل بشكل حاد وسلبي مع علامات عدم الاستقرار أو التحولات المحتملة في السياسة النقدية الأمريكية. فإذا برهنت الأحداث على أن تصرفات بنك الاحتياطي الفيدرالي ذات دوافع سياسية، فقد يؤدي ذلك إلى تقلبات اقتصادية تؤثر في ثقة المستثمرين، وربما تضعف الدولار الأمريكي.
الأسواق تتوق دائمًا إلى القدرة على التنبؤ، وإذا بدأ المستثمرون ينظرون إلى الاحتياطي الفيدرالي على أنه فاقد للاستقلالية وتخلى عن إستراتيجيته في السيطرة على التضخم بسبب الضغوط السياسية، فإن ذلك يعني زيادة عدم اليقين في السوق، وحتى خروج رؤوس الأموال من الولايات المتحدة وفقدان أذون الخزانة الأمريكية لجاذبيتها.