أين تتجه العملات المشفرة؟
شهدت العملات المشفرة في آخر عامين مجموعة من الأحداث تركت تأثيرًا مباشر في أسعارها سواء بالسلب أو الإيجاب. بداية من الملاحقات القضائية التي طالت أهم أقطاب الصناعة، مثل سام بانكمان فرايد مؤسس بورصة "FTX"، وصولًا إلى تشانغبنغ تشاو مؤسسة منصة "بينانس" لتدوال وتجارة العملات المشفرة. وأدت تلك الأحداث إلى انهيار في مستويات الأسعار ودخول الصناعة في مرحلة انحدار كادت أن تعصف بها.
الحدث الأبرز الإيجابي للعملات المشفرة جاء مع بداية 2024، وإعلان هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) تغيير القواعد للسماح بإنشاء صناديق تدوال لعملة البتكوين. دفع ذلك إلى تدفق المليارات من الأموال للعملة المشفرة وأكسبتها مزيد من الثبات والثقة في الأسواق، وبخاصة مع قيام أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم وهي "بلاك روك" بإنشاء صندوق متدوال لعملة البيتكوين.
تلك الخطوة وما تبعها من نجاح ترامب المؤيد والداعم للصناعة في الانتخابات الأمريكية دفع أسعار العملات المشفرة للوصول إلى مستويات قياسية. على سبيل المثال وصلت القيمة السوقية لجميع العملات المشفرة بحلول منتصف نوفمبر 2024 إلى 3.12 تريليون دولار محققة نمو على أساس سنوي وصل إلى 121%. البيتكوين أهم العملات المشفرة التي شهدت أسعارها مستويات قياسية تخطت حاجز 90 ألف دولار، وذلك مقارنة مع 42 ألف دولار في بداية 2024.
الطفرة الحالية التي تشهدها العملات المشفرة، ليس فقط فيما يخص الأسعار، وإنما الشعبية التي تكتسبها وسط النخب السياسية والاقتصادية في العالم. قد تدفع المؤسسات والسلطات الرسمية في الدول المعارضة للصناعة لتبني نهج أكثر تساهل مع العملات المشفرة. ويؤدي إلى خلق حالة من القبول تفضى إلى تبني سياسات وقواعد تسمح بتدوال وتجارة تلك العملات، مع وجود ضوابط لكبح الأخطار المرتبطة بها مثل التأثير في الاستقرار المالي وتمويل العمليات المشبوهة.
الأمر أيضا يمكن ألا يتوقف عند المؤسسات الرسمية، ولكنها قد تمتد إلى اكتساب ثقة الأفراد في الدول المختلفة. فوجود تبني رسمي من المؤسسات المالية الكبرى في العالم والسياسيين يعطي للأفراد ضمانات أكبر لتجارة تلك العملات وتدوالها. ويدفع المستثمرين لضخ استثمارات في الصناعة بداية من التعدين وصولا إلى بورصات ومنصات التدوال والتجارة للعملات المشفرة. ولكن عملية التوسع تظل مرتبطة بتحقيق متطلبات معينة متعلقة بحماية مدخرات الأفراد، إضافة إلى تجنب العمليات غير القانونية مثل غسيل الأموال.
وعلى الرغم من المكاسب التي حققتها العملات المشفرة، إلا أنها مازالت غير قادرة على معالجة الأخطار المتعلقة بها. فالتهديد الذي تشكله للأنظمة المالية الرسمية في الدول، وتأثيرها في الاستقرار المالي والاقتصادي بسبب صعوبة الرقابة على المعاملات المالية داخلها. بجانب الانتقادات المتعلقة بأنها لا تقدم قيمة حقيقية للاقتصاد، حيث مازال استخدامها في المعاملات التجارية ضعيف للغاية. إضافة إلى المشاكل المرتبطة بعمليات تعدين العملات المشفرة بسبب استهلاكها المتزايد من الكهرباء، والآثار المناخية السلبية التي تخلقها.
الزخم الذي اكتسبته العملات المشفرة في العالم قد يسهم في اتخاذ الصناعة مسار جديد في منطقة الشرق الأوسط. حيث حافظت دول المنطقة في السنوات الأخيرة على قواعد صارمة في التعامل مع الصناعة، سواء كانت متعلقة بالتدوال والتجارة أو عمليات التعدين. وفي حالة تبني مزيد من الحكومات العالمية للعملات المشفرة واعتمادها في التجارة والتمويل، فستكون هناك فرص لدول المنطقة للاستفادة من ذلك القطاع على المستوى الاقتصادي. على سبيل المثال تمتلك عديد من الدول في المنطقة ميزة تنافسية تتعلق بتكاليف الطاقة، قد يكون ذلك فرصة هامة لجذب شركات التعدين الكبرى في العالم لاتخاذ المنطقة كمركز لتعدين العملات المشفرة. الأمر الذي يعود بمنافع اقتصادية مباشرة على المنطقة.
في الختام تقف العملات المشفرة في مفترق طرق بين التحول إلى قطاع منظم يكتسب الصفة القانونية وتحكمه القواعد ويخضع للرقابة من المؤسسات الرسمية وتكون فيه تقلبات الأسعار في مستويات منضبطة وتعمل على تجنب الأخطار المختلفة. أو الاستمرار في النظام الحالي الذي تعتمد فيه الأسعار على الأحداث الاستثنائية أو القرارات الفردية.