الإيرادات غير النفطية الأعلى في تاريخ السعودية
منذ بداية رحلة الاستكشاف والإنتاج في شرق السعودية بداية القرن الماضي بحثاً عن الذهب الأسود وطمعاً في مصدر يرفد الاقتصاد السعودي الناشئ الذي كان يواجه تحديات كبرى بسبب شح الموارد البشرية والطبيعية والمالية، كان الاعتماد على النفط هو المحرك الأساسي للاقتصاد، تلك الرحلة التي توجت في 1938 بتدفق كميات تجارية من النفط في بئر الدمام 7 بعد 6 محاولات باءت بالفشل، إلا أن هذا الحدث أذن ببداية عصر جديد في السعودية وشرع هيمنة النفط كمصدر أساسي على الاقتصاد السعودي لأكثر من 75 عاماً كانت تقلباته ودورات الصعود والهبوط في أسواقه تدعم وتعصف بالاقتصاد وتعرضه لأزمات اقتصادية تؤثر في مسيرة التنمية ومعدلات الإنفاق الحكومية ومشاريعها التطويرية المستقبلية.
إلا أن ميزانية 2025 والتوقعات لإغلاق 2024 أتت بأرقام قياسية عكست أن الاعتماد على مصادر الإيرادات غير النفطية يواصل الصعود ويحقق أرقاما مرتفعة، فقد بلغت توقعات الإيرادات غير النفطية 472 مليار ريال للعام 2024 محققة 38 % من الإيرادات التي بلغت 1.23 تريليون ريال وهو ما يعكس نمو الإيرادات غير النفطية 3 % بمعدل سنوي.
لقد كانت هذه الإيرادات لا تشكل سوى أقل من 10 % مطلع العقد السابق وقاد هذا الارتفاع إلى توقعات بمساهمة هذه الإيرادات إلى لعب دور مهم في تمويل ودعم الإنفاق الحكومي بنسبة بلغت 35 %، أما العام المقبل فإن الميزانية أقرت ارتفاعاً بالمصدر الأهم من الإيرادات غير النفطية الذي يشكل أكثر من 77 % من هذه الإيرادات وهي الإيرادات الضريبية بنمو يبلغ 3.7 % لتقفز من 366 مليار ريال إلى 379 مليار دون إقرار رفع الضرائب، ولكن الاعتماد على التدقيق والحلول التقنية المبتكرة وتمديد مبادارات التحفيز بالإلغاء والخفض.
هذه العوائد القادمة من الأنشطة غير النفطية أصبحت تسهم بشكل بارز في حجم نمو الناتج المحلي وتوفير فرص العمل وتنوعها في الاقتصاد السعودي، وأضحى هذا التنوع يشكل مصدرا متوازنا له. هذه القفزة في الإيرادات غير النفطية ستشكل دعما لتقلبات الإيرادات النفطية وتمثل استمرارا لدعم قطاعات أخرى أهمها السياحة والاستثمار لرأس المال الخارجي في السعودية.
لقد عكست الميزانية سواء لتوقعات 2024 أو الأرقام التي تم إقرارها 2025 نهج الاستمرارية في دعم هذه الإيرادات والمضي قدماً بالإصلاحات الاقتصادية التي تضمن استدامة الموارد المالية للدولة والتخفيف من وطأة تقلبات الأسواق النفطية بشكل قد يعوق قدرة الإنفاق الحكومي على استمرارية دعم النمو في الاقتصاد السعودي وتمويل المشاريع الكبرى التي ترسم ملامح رؤية 2030 ومستهدفاتها.
كما تزامنت هذه الأرقام مع الحصول على تصنيفات ائتمانية عالية ولعل آخرها التصنيف الذي رفعت فيه وكالة موديز للتصنيف الائتماني تصنيف السعودية للإصدارات طويلة الأجل بالعملة المحلية والأجنبية إلى مستوى Aa3 من A وعدلت فيه الوكالة النظرة المستقبلية إلى مستقرة بدلا من إيجابية في ظل التوازن بين المخاطر والعوامل المحفزة لرفع التصنيف واستمرار جهود تنويع الاقتصاد كما ارتفاع احتمالية استمرار الزخم الذي سيؤدي مع مرور الوقت إلى تقليل تعرض السعودية لتقلبات الاعتماد على مصدر واحد من الإيرادات.