ضربات قاسية لمستقبل السيارات الألمانية .. المنافسة الصينية خطر محدق
تواجه صناعة السيارات الألمانية، التي رفعت لعقود شعار "التميز من خلال التكنولوجيا"، أزمة حادة بسبب التحول السريع إلى السيارات الكهربائية والمنافسة الخارجية، خاصة من الشركات الصينية.
التحول دفع شركات ألمانية كبرى مثل فولكسفاجن وبي إم دبليو ومرسيدس بنز إلى الكفاح للتكيف مع انخفاض المبيعات وتراجع الربحية.
رغم وجود حلول مقترحة، مثل المبادرات الحكومية التي تقدم حوافز للمستهلكين للتخلص من السيارات القديمة لتحفيز الطلب، فإنها لم تحقق المرجو منها في إنعاش صناعة السيارات الألمانية، على الأقل في الوقت الحالي.
يرى أغلب الخبراء أن المنافسة الشرسة من نظيراتها الصينية، خاصة في مجال السيارات الكهربائية، تشكل التحدي الأكبر لصناعة السيارات الألمانية العريقة.
المهندس أس. فيليب، الاستشاري في مجموعة فوكسهول موتورز، يقول لـ"الاقتصادية": "إن شركات السيارات الصينية وجهت لنظيرتها الألمانية ضربتين قاسيتين. الأولى، أضعفت نسبيا من وجود الشركات الألمانية في الصين. فعلى سبيل المثال باعت شركة فولكسفاجن مليون سيارة أقل في الصين العام الماضي مقارنة بعام 2018 بنسبة انخفاض بلغت 25%".
وأضاف "سيارات بي إم دبليو ومرسيدس بنز حققت أعلى مبيعات في الصين 2022 ومنذ ذلك التاريخ تواصل الانخفاض، والسبب أن الشركات الصينية زادت من حصتها في أسواقها المحلية، خاصة السيارات الكهربائية التي تلقى دعماً كبيراً من الحكومة الصينية".
"لم تكتفِ الشركات الصينية بذلك، بل تمكنت شركات مثل بي واي دي من اقتناص حصة متزايدة في أسواق السيارات الكهربائية الأوروبية، من خلال تقديم تكنولوجيا متقدمة بأسعار تنافسية، وفقا لفيليب".
وتقل أسعار السيارات الصينية 20-30% مقارنة بنظيرتها الألمانية. حتى الحوافز التي تقدمها الشركات الألمانية لم تُجدِ نفعاً في مواجهة المنافسة الصينية".
وانخفضت حصة العلامات التجارية الألمانية مثل بي إم دبليو ومرسيدس بنز وفولكسفاجن في السوق العالمية 10% خلال السنوات الثلاث الماضية. وفي المقابل، ارتفعت صادرات السيارات الصينية 40% عام 2024، مع شحن أكثر من 4.2 مليون مركبة على مستوى العالم، متجاوزة ألمانيا في حجم الصادرات.
ولم تقف الشركات الألمانية مكتوفة الأيدي أمام هذا التحدي. فقد أعلنت فولكسفاجن وبي إم دبليو خططا لمضاعفة قدرتهما الإنتاجية خاصة من السيارات الكهربائية بحلول عام 2027. كما تعهدت الحكومة الألمانية بتقديم 60 مليار يورو لدعم تقنيات السيارات الخضراء بحلول عام 2030.
تشمل هذه الجهود توطين سلاسل التوريد، تقليل الاعتماد على الموردين الخارجيين، إنشاء مرافق إنتاج للبطاريات محلياً، واستكشاف أسواق جديدة في إفريقيا والشرق الأوسط. ووفقاً لتقارير دولية، قد تعود مستويات إنتاج صناعة السيارات الألمانية للارتفاع 8% بحلول عام 2025.
ويتوقع الخبير في تسويق السيارات بي إس براون انقسام السوق العالمي بين الألمان والصينيين. وفي تصريح لـ"الاقتصادية"، قال:
"ستحتفظ شركات صناعة السيارات الألمانية بريادتها في قطاع السيارات الفاخرة وعالية الأداء، شريطة أن تتكيف سريعاً مع المتغيرات الراهنة في الأسواق. في المقابل، سيحتفظ الصينيون بالحصة الكبرى في سوق السيارات منخفضة التكلفة والموجهة للطبقة المتوسطة، ومع ذلك، يرى بعضهم أن هذا التحول يمثل خسارة كبيرة للصناعة الألمانية، خاصة أنه يتقاطع مع تحديات أوسع نطاقاً تواجه ألمانيا، مثل تدهور البنية التحتية، نقص الاستثمارات، والبيروقراطية المفرطة.
وتعلق الدكتورة هانا تشارلز، أستاذة الاقتصاد الأوروبي، قائلة "المشكلات التي تواجهها صناعة السيارات الألمانية ليست فقط نتيجة للمنافسة الصينية، بل هي انعكاس لتحديات هيكلية أعمق. الصناعة لا تواجه فقط نقاط ضعف داخلية مثل الشيخوخة السكانية والبيروقراطية المفرطة، بل تعاني أيضاً نقص الاستثمارات في البنية التحتية. دون تحسينات جوهرية، ستظل قدرة ألمانيا على التصدي للمنافسة الصينية محل شك".