كأس العالم 2034 في السعودية حدث تاريخي يترك إرثا اقتصاديا
تمثل استضافة كأس العالم 2034 في السعودية حدثا تاريخيا يعكس مكانة السعودية المتنامية على الساحة العالمية.
هذه البطولة ليست مجرد حدث رياضي، بل هي جزء لا يتجزأ من مشروع رؤية السعودية 2030 الذي يسعى لتنويع اقتصاد البلاد بعيدا عن النفط، وقطاع السياحة يرز كلاعب مهم في تحقيق نمو القطاع غير النفطي كيف ستسهم هذه الاستضافة في تحقيق أهداف الرؤية وتحقيق نقلة نوعية في مختلف القطاعات؟
نمو الناتج المحلي
أصدر صندوق النقد الدولي أخيرا تقريرا يسلط الضوء على التأثير الاقتصادي الإيجابي الذي أحدثته النسخة الأخيرة من كأس العالم والتي استضافتها قطر.
وأشار التقرير إلى أن البطولة أسهمت في دعم الاقتصاد القطري بنحو 1% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022 والذي يتسق مع دراسات أخرى حول أثر استضافة الأحداث الرياضية الكبرى على الاقتصاد.
ويأتي النمو من خلال إنفاق السياح وعائدات البث التلفزيوني، إضافة إلى التأثيرات الإيجابية على دول مجلس التعاون الخليجي.
استفادت قطر من استثمارات ضخمة قدرت بين 200 و300 مليار دولار على مدى عقد من الزمان، شملت تطوير البنية التحتية العامة، بما في ذلك مشاريع النقل والفنادق والموانئ.
كما لفت التقرير إلى أن قطر نجحت في تعزيز السياحة الإقليمية، حيث أقام نحو 300 ألف زائر في دول الخليج المجاورة مثل الإمارات التي استحوذت على النسبة الأكبر.
وأكد التقرير أن البنية التحتية التي حققتها قطر عبر البطولة يمكن استغلالها لتعزيز التنوع الاقتصادي وتحقيق أهداف رؤية قطر الوطنية 2030، مشيرا إلى أن الحدث شكل نقطة تحول نحو تحقيق نمو اقتصادي مستدام في القطاعات غير الهيدروكربونية.
جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة
ارتبطت استضافة كأس العالم لكرة القدم بزيادة كبيرة في متوسط الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد بقيمة 4.33 مليار دولار على المستوى الإجمالي وفقا لدراسة جهاد سوسان وعمار إبروك في 2024. ولا حظا أن جودة الحوكمة تعد عاملا تعديلا حاسما، حيث شهدت الدول ذات الحوكمة الجيدة زيادة أكبر في الاستثمار الأجنبي المباشر بلغت 10.5 مليار دولار.
بحسب الدراسة المنشورة في "المجلة الدولية لإدارة الفعاليات والمهرجانات" درست بيانات 12 دولة استضافت كأس العالم.
ونظرا لأن استضافة حدث رياضي كبير يتزامن مع حراك اقتصادي استثنائي لتنفيذ مشاريع الرؤية، يزيد جاذبية الاستثمار لوجود تنوع واسع في الفرص، خاصة وأن المناسبات الرياضية الكبرى تتقاطع مع أكثر من قطاع أساسي في الاقتصاد.
السياحة الرياضية والإرث
يعد القطاع السياحي أحد القطاعات الإستراتيجية الرئيسية التي تم تحديدها في رؤية 2030، إذ بحلول عام 2030 تتوقع السعودية أن تشكل السياحة 10% من الناتج المحلي الإجمالي.
السفر الرياضي اليوم واحد من أسرع القطاعات نموا في مجال السياحة العالمية، حيث يشكل نحو 10% من إجمالي الإنفاق السياحي عالميا، مع توقعات بنمو يبلغ 17.5% خلال الفترة بين 2023 و2030 وفقا لمنظمة السياحة العالمية.
تعتزم البلاد على أن تستقبل 150 مليون زيارة سنويا، ولتحقيق هدفها ركزت السعودية على الانفتاح على العالم وخططت لاستثمارات بقيمة تصل إلى 810 مليار دولار في مشاريع ثقافية وترفيهية وأحداث رياضية.
الأثر العميق لاستضافة هذه الأحداث يتجاوز الجانب الاقتصادي، ليشمل تعزيز الهوية الثقافية ورفع مكانة الدول على الساحة الدولية، ما يجعلها وجهات سياحية أكثر جذبا على المدى البعيد خاصة وأن السعودية تسعى لتكون واحدة من أفضل الوجهات السياحية في العالم بحلول عام 2030. هذا الإرث يشمل تحسين الخدمات العامة، بناء منشآت رياضية عالمية، وتعزيز قدرة الدول على تنظيم فعاليات مستقبلية، ما يضعها في مصاف الوجهات الرائدة عالميا.
البنى التحتية تتطور
استضافة الأحداث الرياضية الكبرى تمثل فرصة استثنائية للدول والمدن لتطوير بنيتها التحتية بشكل ملحوظ، من خلال استثمارات كبيرة في المرافق الرياضية وتحديث الخدمات اللوجستية والذي يتوائم مع برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية.
هذه التطورات تخدم الأحداث نفسها وتعود بالنفع على المدينة والدولة، معززة السياحة وجودة الحياة المحلية وتفتح الباب لمزيد من النمو الاقتصادي وتعزيز المكانة العالمية للمدينة كمركز رياضي.
تشكل استضافة السعودية لكأس العالم 2034 خطوة بارزة نحو تحقيق الرؤية. هذه البطولة ليست مجرد حدث رياضي عالمي، بل منصة لترويج فرص الاقتصاد الوطني، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وإرساء مكانة السعودية كوجهة سياحية ورياضية عالمية.
من خلال البنية التحتية المتطورة والخطط الطموحة والمشاريع المبتكرة، وبكيفية تحويل الأحداث الكبرى إلى محفزات للتنمية المستدامة، تقدم السعودية نموذجا ناجحا ورائدا في العالم على الأصعدة كافة.