خافيير بلاس: أزمة زيت الزيتون انتهت لكن المخاوف باقية
انخفاض الأسعار بفضل المحصول الوفير خلال العام الجاري
موسم الحصاد الجيد لا يكفي لتعزيز المخزون الذي تراجع بشدة
دول البحر المتوسط المركز الرئيسي للاستهلاك واليونان تحتل الصدارة
ارتفاع الطلب العالمي يدعم استمرار موجة صعود الأسعار
أزمة زيت الزيتون التي عاناها مطبخي آخذة في الانفراج. بعد عامين متتاليين من تلف المحاصيل، يحصد زارعو الزيتون في إسبانيا حالياً كميات كافية من الثمار لضمان إمدادات جيدة خلال 2025.
انخفضت أسعار الجملة 55% تقريباً من ذروتها المسجلة خلال فبراير الماضي، ومن المتوقع أن تتبعها الأسعار في متاجر مبيعات التجزئة قريباً لكنني لا أتوقع عودة الأسعار المنخفضة التي شهدناها خلال الـ20 عاماً الماضية لسببين، أحدهما مؤقت والآخر هيكلي. ولا يوليهما الاهتمام الكافي إلا قليل من الناس.
ولنبدأ بالأخبار الجيدة. بدأ موسم حصاد الزيتون في منطقة الأندلس في إسبانيا، التي تمثل نحو ثلث الإنتاج العالمي. عادة ما تبلغ كميات المحصول ذروتها هناك قبل عيد الميلاد مباشرة، ولدينا فكرة واضحة جداً الآن عن الكمية والجودة.
تعافي الإنتاج العالمي
بفضل تحسن المحصول، من المرجح أن تنتج منطقة الأندلس نحو مليون طن من زيت الزيتون في موسم 2024-2025، بزيادة 77% عن الموسم السابق. وبإضافة بقية مناطق في إسبانيا، إلى جانب المحاصيل الجيدة في اليونان والبرتغال وتونس وقبلهم تركيا، من المتوقع أن يتعافى الإنتاج العالمي ليصل إلى نحو 3.4 مليون طن، بعد أن كان أقل من 2.6 مليون طن خلال موسم 2023-2024. ولا تزال إيطاليا هي البلد الوحيد من بين المنتجين الرئيسيين الذي لم يتعاف، إذ يقتل أحد مسببات الأمراض أشجار الزيتون هناك.
لن ينتهي الحصاد قبل أوائل مارس، لكن السوق لا تنتظر. فبمجرد أن أصبح من الواضح أن المحصول أكبر بكثير من العامين الماضيين، سارع الجميع إلى البيع.
انخفضت تكلفة زيت الزيتون البكر الإسباني الممتاز في سوق الجملة إلى نحو 4250 دولاراً للطن، بعد أن سجلت أعلى مستوياتها على الإطلاق عند أكثر من 10 آلاف دولار للطن في فبراير الماضي. وربما ينخفض قريباً سعر لتر زيت الزيتون على أرفف المتاجر إلى نحة 5 يوروات مقارنة بأكثر من 10 يوروات حالياً.
انخفاض الأسعار يسبب ارتياحاً كبيراً لسكان جنوب أوروبا، الذين يعتبرون زيت الزيتون جزءاً من أسلوب الحياة، حيث إنه يعطي نكهة للطعام والعادات الاجتماعية التي تطورت على مدى آلاف السنين على سواحل البحر الأبيض المتوسط. بالنسبة إلى كثير من العائلات في المنطقة، جاء ارتفاع سعره ليجسد معاناتهم مع التضخم المتفشي. كنت أتذمر من تكلفته في كل زيارة أسبوعية للمتجر، وآمل في يوم أفضل.
تزايد معدلات استهلاك الدول
بالنسبة إلى الإسبان، كانت هذه أزمة حقيقية. فنحن نغمر طعامنا بزيت الزيتون بسخاء. وأعني بذلك غمره حقاً: المواطن الإسباني العادي يستهلك نحو 14 لتراً سنوياً في الأحوال العادية.
وهذا يعني، بالنسبة لأسرة مكونة من 4 أفراد، إنفاق أكثر من 450 يورو (471 دولاراً) سنوياً بمتوسط سعر التجزئة خلال موسم 2023-2024. (يحتل اليونانيون الصدارة من حيث استهلاك زيت الزيتون بأكثر من 20 لتراً للفرد سنوياً. يأتي الإيطاليون بعد الإسبان بفارق ضئيل، بمعدل استهلاك يبلغ نحو 11 لتراً. أما البريطانيون والأمريكيون، فيستهلكون نحو لتر واحد لكل شخص سنوياً).
وهكذا، انخفاض أسعار الجملة يبعث على ارتياح كبير، وهو خبر من النوع الذي يظهر في نشرات الأخبار الليلية على التلفزيون الحكومي في جنوب أوروبا. لكنني أخشى أن هذا يبدو مبالغاً فيه بعض الشيء. وهنا تأتي الأخبار السيئة التي أشرت إليها سابقاً.
أولاً، العوامل المؤقتة. بعد عامين من المحصول السيئ، كانت المؤسسات التعاونية الزراعية في إسبانيا تعاني ضائقة مالية فاضطرت إلى بيع محاصيلها في أبكر وقت ممكن، الأمر الذي أدى إلى انهيار السوق. لكن المبيعات ستتراجع لاحقاً، ما سيضع حداً لانخفاض الأسعار.
علاوة على ذلك، فقد استُنزف المخزون العالمي من زيت الزيتون، وسيستغرق الأمر أكثر بكثير من مجرد موسم واحد جيد لإعادة تكوينه. في إسبانيا، انتهى موسم 2023-2024 بمخزون عند نحو ربع المستوى المعتاد. أما على الصعيد العالمي، فتراجع مخزون زيت الزيتون في الموسم الماضي إلى أدنى مستوياته منذ 57 عاماً، ليستقر عند نحو نصف متوسطه على مدى العقدين الماضيين.
سيتطلب الأمر عدة سنوات من الحصاد الوفير قبل تكوين المخزون الكافي لإعادة الأسعار إلى مستويات ما قبل الأزمة.
ثانياً، العوامل الهيكلية. أصبح زيت الزيتون ضحية لنجاحه. فمع اكتساب النمط الغذائي للبحر المتوسط شعبية على مستوى العالم، تضاعف استهلاك زيت الزيتون خلال الـ30 عاماً الماضية. ويبدو أن هذا الاتجاه سيستمر، رغم تأثير الأسعار المرتفعة.
استهلاك الزيوت النباتية
رغم شعبيته في جنوب أوروبا، لا يشكل زيت الزيتون سوى جزء ضئيل من استهلاك زيوت الطعام النباتية عالمياً. ففي 2020، شكل أقل من 2% من السوق العالمية، وهو ما يعادل تقريباً حصة زيت بذرة القطن وجوز الهند.
أما زيت النخيل وزيت فول الصويا فيشكلان معاً 65% من السوق، بينما يمثل زيت دوار الشمس وزيت بذور اللفت 24% أخرى. كل هذا يعني أن هناك فرصة أمام زيت الزيتون لزيادة حصته في السوق بسهولة. لكن المشكلة هي أنه لا يستطيع ذلك: فالمعروض منه محدود، وأي زيادة في شعبيته ستدفع الأسعار إلى مستويات أعلى بكثير.
ما مدى ازدياد شعبية زيت الزيتون؟ الزيادة كبيرة، وفقاً للإحصائيات.
في الولايات المتحدة الأمريكية، ارتفع الطلب أكثر من 300% خلال العقود الـ3 الماضية. أو خذ فرنسا مثلاً، بلد الزبدة، حيث ارتفع الطلب 400% منذ عام 1990، واليوم يوازي استهلاكها ما يتناوله الناس في اليونان. وشهدت المملكة المتحدة نمواً مذهلاً، وربما ساعد على ذلك انتقالي من مدريد إلى لندن قبل عقدين من الزمان.
منذ عام 1990، ارتفع استهلاك البريطانيين لزيت الزيتون نخحو 1100%. والأمر نفسه في الأسواق الناشئة، إذ يحقق زيت الزيتون تقدماً كبيراً في دول مثل البرازيل. كما يبدو أن الطلب في مراكز الاستهلاك الجديدة أقل تأثراً بالأسعار مقارنة بالمناطق الأساسية في حوض البحر الأبيض المتوسط.
مع انخفاض المخزون واستمرار الطلب المكبوت، لا يمكن أن تنخفض أسعار زيت الزيتون كثيراً. انتهت الأزمة، لكن سنوات الوفرة تبدو بعيدة جداً. ربما لا تكون النتيجة سيئة: للمرة الأولى منذ فترة طويلة، يبدو أن زارعي الزيتون –الذين طالما كانوا الحلقة الأضعف في سلسلة التوريد– على وشك تحقيق مكاسب جيدة. وإذا كنت من محبي زيت الزيتون، فهذا سبب للاحتفال.
خاص بـ "بلومبرغ"