هل يخرج الاقتصاد الأوروبي من كبوته خلال 2025 ؟
يدخل الاقتصاد الأوروبي عام 2025 وهو مثقل بأزمات اقتصادية. كانت نتيجة أساسية لصعوبات داخلية على رأسها أسعار الفائدة المرتفعة، والطلب الضعيف، والانكماش في القطاعات الإنتاجية. بينما شكلت الصدمات الخارجية عبء إضافي على القارة العجوز، بداية من الأوضاع الجيوسياسية غير المستقرة، وصولًا المنافسة الشرسة التي تواجه القارة وبالأخص من الصين.
دفعت تلك الأسباب أكبر الاقتصادات الأوروبية للمعاناة الاقتصادية. ففي ألمانيا أكبر اقتصاد في القارة، سجل الناتج المحلي انكماش بنسبة 0.3 % خلال 2023. في فرنسا كانت المؤشرات أفضل مع تسجيل الاقتصاد نموا بنسبة 0.9 % خلال نفس الفترة.
ومع اقتراب 2025 بدأت تلوح في الأفق العديد من المؤشرات الإيجابية. على مستوى السياسة النقدية، فقد بدأ البنك المركزي الأوروبي في مسيرة التيسير النقدي في النصف الثاني من 2024. وقام بخفض الفائدة من مستوى 4.5 % إلى 3.15 %، مع توقعات بالاستمرار في التخفيض خلال العام المقبل مع استقرار التضخم واقترابه من المستويات المستهدفة.
الفائدة المنخفضة من المتوقع أن تزيل جزء من الضغوط على القطاعات الإنتاجية والاستهلاكية عبر خفض تكاليف الاقتراض، والتي تساهم بشكل مباشر في دعم مستويات الطلب المحلية وتعزيز الإنفاق الاستهلاكي ويساعد على إنعاش الاقتصاد.
العام المقبل قد يكون نقطة تحول في مسار السياسات المالية في أوروبا. فبعد سنوات من الانكماش وكبح الإنفاق الحكومي لتحقيق أهداف التضخم والحفاظ على معدلات العجز المالي والديون الحكومية.
واجهت تلك السياسات مؤخرا انتقادات شديدة من مختلف الفاعلين في الاقتصاد. ففي فرنسا على سبيل المثال فشلت حكومة رئيس الوزراء ميشيل بارنيه في تمرير مشروع الميزانية الهادف إلى خفض العجز المالي عبر خفض الدعم الحكومي وزيادة الضرائب.
في ألمانيا تتجه الحكومة لتجاوز سياسة "مكابح الديون" التي تم إقرارها في 2009 بهدف الحد من الاقتراض الحكومي. وتخطط الحكومة لزيادة الإنفاق بهدف دعم المستهلكين وتشجيع الاستثمار وإزالة الضغوط عن الشركات وقطاع الأعمال.
قطاع الخدمات من المتوقع أن يساهم في تنشيط الاقتصاد الأوروبي خلال 2025. وذلك بفضل التعافي في قطاعات مثل السفر والسياحة والخدمات المالية والتكنولوجيا. ويستحوذ قطاع الخدمات على نحو 70 % من إجمالي الناتج المحلي لدول الاتحاد الأوروبي، كما يساهم في الجزء الأكبر من معدلات التشغيل.
ولكن مازالت القارة أمام عدد من التحديات خلال العام المقبل. في مقدمتها تأتي التوترات التجارية مع الصين، حيث اتجهت الدول الأوروبية لفرض تعريفات مرتفعة على صادرات الصين من السيارات الكهربائية بسبب ظروف المنافسة غير العادلة والدعم الحكومي الصيني للشركات. تلك الإجراءات قد تدفع الصين خلال 2025 لاتخاذ إجراءات مضادة تستهدف المنتجات الأوروبية، الأمر الذي سيترك آثار سلبية على الشركات الأوروبية نظرًا لما يشكله السوق الصيني من أهمية لصادرات السلع من القارة.
بجانب الصين فصعود ترامب لرئاسة الولايات المتحدة وتهديده بفرض تعريفات على واردات السلع الأوروبية يشكل تحدي هام نظرًا لأهمية السوق الأمريكي للسلع الأوروبية. وسيكون على السلطات الأوروبية وضع خطة للتعامل مع تلك التطورات ومعالجة الآثار السلبية الناتجة عنها.
تواجه القارة أيضا تحديات داخلية، وعلى رأسها أزمة الطاقة. فمنذ اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية وتوقف إمدادات الغاز القادم عبر خطوط الأنابيب، مازالت أوروبا غير قادرة على توفير بدائل مستدامة بأسعار مناسبة. أثر ذلك بشكل مباشر على القطاع الصناعي وبالأخص الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة.
شيخوخة السكان الناتجة عن انخفاض معدلات المواليد تلقي بظلالها على الاقتصاد. حيث بدأت آثارها السلبية تظهر وتنعكس بصورة أساسية على سوق العمل، حيث أصبحت الكثير من القطاعات تعاني من نقص في القوى العاملة. مما دفع العديد من الدول مثل ألمانيا للاتجاه لجذب العاملين من الخارج لتغطية الفجوة الداخلية.
ختاما يبدو مشهد الاقتصاد الأوروبي في 2025 أكثر تفاؤلا مقارنة بالسنوات السابقة. مدعوم بتغيرات في السياسات النقدية والمالية. ولكن على القارة التعامل مع التحديات المتوقعة وبالأخص المرتبطة بالعلاقات التجارية مع أهم الشركاء مثل الصين والولايات المتحدة.