تحديات تعيد تشكيل صناعة السيارات العالمية .. إفراط الإنتاج يصطدم بتدهور المبيعات

 تحديات تعيد تشكيل صناعة السيارات العالمية .. إفراط الإنتاج يصطدم بتدهور المبيعات
الشركات كثفت الإنتاج استجابة للطلب مع تعافي ما بعد الجائحة. المصدر: رويترز

تواجه صناعة السيارات، أحد أحجار الزاوية في الاقتصاد العالمي، تحديات جسيمة خاصة في العام المقبل، فقد أدت أسعار قطع الغيار المرتفعة، واضطرابات سلاسل التوريد، والتأثير المتزايد للشركات الصينية، إلى خلق مشهد مرتبك دفع ببعض الخبراء إلى توقع أن يشهد 2025 انحدارا غير مسبوق في مبيعات السيارات الجديدة والمستعملة على مستوى العالم.

شكلت مجموعة من العوامل الاقتصادية عاصفة لا يعاني فيها المستهلكون فقط من أجل شراء سيارة جديدة أو مستعملة، بل يشعر بها أيضا وكلاء بيع السيارات والمؤسسات التمويلية، ما يدفع البعض إلى الاعتقاد بأن سوق السيارات العالمية سيُعاد تشكيله خلال السنوات المقبلة.

وفقا لكريس مولر، محلل سلاسل التوريد لدى عدد من الشركات البريطانية، فإن علامات انهيار سوق السيارات بدأت في الظهور أواخر العام الحالي.

وذكر لـ"الاقتصادية"، أن أسعار الفائدة المرتفعة والتضخم وعدم اليقين الاقتصادي بشكل كبير أثقل القدرة الشرائية للمستهلكين، في بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان وحتى الصين، وحاليا يبلغ متوسط معدل الإقراض البنكي لشراء سيارة أكثر من 10%، ما أدى إلى استبعاد عديد من المستهلكين من السوق، وانخفضت المبيعات.

في الوقت ذاته أدى ارتفاع تكاليف المعيشة على المستوى العالمي، خاصة في السلع الأساسية مثل الغذاء والإسكان والطاقة، إلى ضغط ميزانيات الأسر وجعلها تعيد صياغة أولوياتها الاقتصادية، ومع انخفاض القدرة الادخارية خاصة لدى الطبقة المتوسطة، غابت المشتريات الكبيرة مثل السيارات من قائمة مشترياتها.

لكن الأمر لا يتوقف، من وجهة نظر المهندس "إس. فيليب"، الاستشاري في مجموعة فوكسهول موتورز، على جانب الطلب، وإنما أيضا يشمل الإفراط في جانب العرض.

وذكر لـ"الاقتصادية"، أن شركات صناعة السيارات كثفت الإنتاج استجابة للطلب القوي، خاصة مع بدء سلاسل التوريد في التعافي من الاضطرابات الناجمة عن جائحة كورونا، وفي العام المقبل، ستواجه الصناعة مشكلة الإفراط في الإنتاج بسبب تراكم فائض من المركبات غير المباعة في المخزونات.

أشار إلى أنه مع استمرار مشاكل سلسلة التوريد وعدم توفر نماذج وقطع غيار بشكل منتظم، بات من الصعب على التجار بيع مخزونهم الحالي.

وتشير التقديرات الراهنة إلى أن مبيعات السيارات عالميا في الربع الأول من العام المقبل، ستكون أقل من مبيعات ذات الربع من العام الماضي، فعديد من المشترين يمددون عمر سياراتهم الحالية بدلا من تحمل ديون جديدة، خاصة مع فشل محاولات الشركات المصنعة لتحفيز المبيعات من خلال الخصومات والحوافز في تعويض تأثير ارتفاع تكلفة التمويل.

وفي السياق، قالت الخبيرة المصرفية "آنا فيشر" إن "مؤسسات تمويل مبيعات المركبات ستواجه بيئة صعبة العام المقبل"، خاصة مع تشديد معايير الإقراض وارتفاع أسعار الفائدة، مضيفة أن عديد من المقرضين في اليابان والولايات المتحدة وأوروبا الغربية والصين يترددون في تمديد الائتمان للمستهلكين الذين لديهم تاريخ ائتماني أقل من ممتاز.

أضافت، أنه في عديد من دول العالم، أدى الركود الاقتصادي إلى ارتفاع حالات التخلف عن سداد القروض واستعادة المؤسسات التمويلية للسيارات، وهذا له تأثير سلبي نتيجة إغراق سوق السيارات المستعملة، ومن ثم انخفاض الأسعار، ما يخلق حلقة مفرغة تؤدي إلى تفاقم محنة السوق.

مع ذلك، يعتقد الخبير في مجال تجارة السيارات "كيفين فينتري" في حديثه لـ"الاقتصادية"، أن العالم سيشهد ابتداء من العام الجاري، إعادة تشكيل صناعة السيارات، وأن الأمر سيستغرق 3 سنوات على الأقل قبل أن يستقر.

وقال: "يصعب القول أن سوق السيارات سينهار العام الجاري، رغم أنه قد يواجه أزمة حادة"، مضيفا أن الشركات تعمل حاليا على إعادة تقييم إستراتيجيات الإنتاج الخاصة بها، وفي الأغلب ستتبنى إستراتيجية تقليص الإنتاج لمواكبة انخفاض الطلب، وستظل شروط التمويل صارمة مع تكيف المقرضين مع المخاطر المتزايدة المرتبطة بقروض السيارات.

أضاف، أن الأمر المؤكد أن الشركات ستعمل على التكيف مع تفضيلات المستهلك المتغيرة، من خلال التركيز على نماذج أصغر بأسعار معقولة، وسيتطلب الأمر في بعض البلدان تدخلا حكوميا لدعم الصناعة من خلال الإعانات والحوافز وبرامج الإنقاذ.

 

الأكثر قراءة