هل التسويق مجرد "بروباجندا"؟

نشر عديد من الصحف والمواقع الإلكترونية لقاء المؤسّس وعضو مجلس الإدارة المنتدب لشركة إعمار، خلال فعاليات "قمة المليار متابع" التي احضنتها حكومة الإمارات العربية، وحديثه عن عدم الحاجة إلى التسويق، وأنه تخلى عن هذا الفعل الإداري، على أساس أن المنتج الجيد قادر على إقناع المستهلك بذاته دون تسويق له.

وأن السؤال الحقيقي الذي يجب طرحه هو: هل لدي منتج حقيقي أم لا؟ وأن هذه "فلسفة" تركز على القيمة الحقيقية التي يقدمها المنتج بدلاً من الاعتماد على الدعاية المبالغ فيها، ما يعزز الثقة بين العلامة التجارية وجمهورها. وأظن أن هذه التصريحات من شخصية بهذا الحجم في عالم الأعمال العربي والعالمي تتطلب مناقشة جادة، ويجب ألا تمر مرورا عاديا، ذلك أن علم الإدارة علم حديث (كعلم له مبادئه ونظرياته) وهو علم تجريبي اجتماعي، بمعنى أنه يتطور بناء على نتائج تطبيقات الواقع العلمي الذي تتفاعل فيه القوى الاجتماعية، وليس ناتجا عن تجارب المختبرات التي يمكن فيها عزل المواد المتفاعلة عن وسطها البيئي.

التسويق هو علم التجارة الأساس، ذلك أن التجارة ليست هي التي يتم تدريسها اليوم في كليات الأعمال، التجارة Commerce هي تبادل السلع بين البشر، وهي تشمل تبادل السلع عن نقطة البيع في التعريف الضيق (Trading)، فالتجارة بهذا التعريف ليست عملية الإنتاج، ولا تدخل فيها قضايا مثل استخراج المواد، أو معالجتها، أو تصنيعها، ولا تدخل في التجارة خدمات ما بعد البيع، ولا قضايا التأمين.

هذه المسائل جميعا تدخل ضمن علم الأعمال بشموليته، وبما يتضمنه من قضايا الحوكمة والتقارير والرقابة، فالتجارة هي اليوم جزء من عالم الأعمال، لكن لم نعد نستخدم عبارة التجارة لأنها لم تعد ضمن سلسلة إنتاج القيمة التي هي العمود الفقري لتدريس مهارات الأعمال في الكليات والكتب المتخصصة، وبدلا من ذلك ظهر التسويق كجزء من مراحل سلسلة القيمة، وهنا بيت القصيد.

فالتسويق هو التجارة في الفهم العام، وهو ذلك النشاط الذي يضيف قيمة إلى المنتج، ولا بد منه ضمن عملية إنتاج القيمة ولا مفر، ذلك أنه لا يمكن إنتاج منتجات (من أي شكل) دون التجارة فيها بما يشمل بيعها، ولا يمكن بيعها دون تغليفها، ودون اختيار اسمها، ودون وصفها بدقة ودون شرحها بشكل مفصل للعميل، بل لا يمكن البيع دون معرفة من هو العميل وأين هو وآليات الوصول إليه وما هي متطلباته، ثم إقناعه بأن المنتج يحقق له هذه المتطلبات التي يسعى إليها، لا يمكن بيع منتج دون منصة للبيع ولو كانت رفا في بقالة.

لا يمكن بيع منتج دون غلافه أو كتيب عنه، لا يمكن بيع منتج دون تسعيره وشرح السعر للمشتري وآليات السداد وتفاصيل ذلك كله، لكن هذا له تكلفة تتم إضافتها إلى المنتج ويدفع المشتري في مقابلها برضا نفس، لأنه يدرك تماما أنه لم يكن ليصل إلى فهم كامل أو وصول حقيقي للمنتج دون هذه الأعمال، وهذا هو التسويق في شكله الحديث الذي يتضمن اليوم مهارات إضافية من بينها التغليف الذي قد يدفع المستهلك فيه رقما قد يعادل قيمة المنتج نفسه.

وعلى هذا فإن مجرد الإنتاج للسلع الحقيقية مهما كانت جودتها إذا لم يصاحبه تسويق بهذه المفاهيم فإن قيمة هذه المنتجات ستكون حتما أقل من قيمة المنتجات التي تمت إضافة تكلفة التسويق إليها. لك أن تتصور منتجا حقيقيا ذا جودة عالية لكن لم يتم تغليفه ولا وضعه في رفوف ولا تم تطوير منصة مناسبة للعرض على المستهلك، ومنتج قد يكون أقل منه جودة لكن تحققت له كل هذه الفرص التسويقية.

نعم القيمة النهائية للمنتج تمثل كافة عناصره ومنها جودة تصنيعه أساسا، لكن التسويق يدخل أيضا ضمن هذه التكلفة النهائية، وهنا أتفق مع العضو المنتدب لشركة إعمار عندما قدم مثالا عن إعلان قصير بلغت تكلفته 70 ألف دولار، لكنه حقق مبيعات بقيمة 3.5 مليون دولار. فالتسويق الجيد (والإعلان جزء واحد منه) يجب أن تكون تكلفته معقولة ويستند إلى منتج حقيقي.

وهنا أصل إلى نتيجة مهمة، وهي أن صناعة المحتوى (كأداة للتسويق في عالم التجارة) يجب أن تكون ذات تكلفة معقولة وضمن سلسلة إنتاج القيمة وليس كما نسمع اليوم عن تلك الأسعار والإيرادات الضخمة لصناعة التسويق منتجات عبر صناع المحتوى، التي لن تقابلها قيمة مضافة في الأسعار الفعلية، يقل دفع العميل في مقابلها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي