بعد تنصيب ترمب.. ما السياسات الاقتصادية التي يسعى لتنفيذها ؟

بعد تنصيب ترمب.. ما السياسات الاقتصادية التي يسعى لتنفيذها ؟

في مشهد يعيد إلى الأذهان سياساته المثيرة للجدل خلال رئاسته الأولى، أعلن دونالد ترمب عن نيته فرض تعريفات جمركية جديدة على كل من الصين وكندا والاتحاد الأوروبي.

خطوة تمثل جولة ثانية من الحمائية الاقتصادية، وتهدف إلى تعزيز الإنتاج الأمريكي وتقليص العجز التجاري الضخم الذي يواجه الولايات المتحدة.

قدم ترمب برنامجه الانتخابي الذي يعكس مزيجا من الشعارات القومية والسياسات الاقتصادية الصارمة، داعيا إلى استقلال الاستراتيجي عن الصين، وإعادة سلاسل التوريد الحيوية إلى الداخل الأمريكي.

وبينما تسعى هذه السياسات إلى حماية الاقتصاد الأمريكي من المنافسة العالمية، فإنها تزيد المخاوف تجاه تداعياتها على التجارة الدولية والأسعار المحلية.

جولة ثانية من الحمائية
أعلن ترامب عن نواياه لزيادة التعرفة جمركية على كل من الصين وكندا والاتحاد الاوروبي، ليبدأ جولة ثانية من الحمائية بعدما بدأها خلال رئاسته الأولى للولايات المتحدة.

الدافع لاقرار تلك الاجراءات تنامي العجز التجاري ليقارب تريليون دولار في السنوات الأخيرة. ارتفاع قيمة العجز يأتي بشكل رئيسي نتيجة نمو الاقتصاد، حيث أن العجز في الميزان التجاري لا يشكل إلا 2.98% من الناتج المحلي في 2023 وفقا لبيانات رسمية، وبمستوى قريب عما كان عليه في 2018 البالغ 2.86% حينما زادت الحمائية.

الاقتصاد الإمريكي يتعمد على الطلب الداخلي حيث تشكل الواردات والصادرات نحو 24.9% من الناتج المحلي في 2023 وتأخذ منحى متراجع من مستوياتها القياسية عند 30.8% في 2011 وهي بمعدلات تقل عن المعدل العالمي بحسب بيانات البنك الدولي.

بعد الجولة الأولى من الحمائية، تراجع عجز الميزان التجاري الإمريكي مع الصين من 336 مليار دولار في بداية الرئاسة الاولى لترمب إلى 252 مليار دولار في 2023 في عهد بايدن الذي أبقى سياسات الرئيس الذي سبقه، وذلك لإجراءات قامت بها الصين من خفض قيمة عملتها بأكثر من 9% خلال عام 2018 بعدما بدأت التعرفة الجمركية الجديدة في مارس قبل أن تشدد في يوليو من ذات العام. بالإضافة إلى توسع الصين خارجيا لتصدر للسوق الإمريكي من أراضي أجنبية أبرزها المكسيك الذي زاد صادراته مضاعفا عجز الميزان التجاري الامريكي من 71 إلى 162 مليار دولار خلال 2018-2023.

الصورة لم تكتمل بشأن تطبيق تلك التعرفات من حيث النسب التي ستفرض وشموليتها، وما اذا كانت على نحو تصاعدي أم تفرض كاملة، وكذلك هل ستكون أداة ضغط خاصة مع كندا والمكسيك لحل قضايا بشأن الهجرة والاتجار بالمخدرات. في جميع الأحوال تتطلب فترة 6 أشهر إلى نحو عام في تطبيقها في حال لجوء رئيس الولايات المتحدة إلى نظام 301 من قانون التجاره 1974 أو المادة 232 من قانون التوسع التجاري لعام 1962، مالم يتم استخدام قانون الطوارئ الاقتصادية، والتي استخدمها ترمب في 2019 لفرض عقوبات على تركيا والتي يمكن تطبيقها في غضون أيام أو أسابيع قليلة.

التعرفة الجمركية هي رسوم تفرض على البضائع المستوردة، الهدف الرئيسي من التعرفة هو حماية الإنتاج المحلي والوظائف، وذلك برفع تكلفة السلع المستوردة لجعلها أقل جاذبية مقارنة بالمنتجات المحلية. هذا يساعد في تعزيز الصناعات المحلية، ولكن قد يؤدي أيضا إلى زيادة الأسعار للمستهلكين.

الحمائية خلال الفترة الماضية لم تعطي النتائج المعلنة من خفض عجز الميزان التجاري، وزيادة حدتها قد تكون لها انعكاسات سلبية على التضخم، خاصة وأن الدول المقابله أعلنت أنها سترد على الحمائية الإمريكي، ومن جانب أخر سيقل تفضيل السوق الإمريكي، ما دفع الدول لبحث الخيارات الأخرى ولعل آخرها أعلان الاتحاد الأوروبي عن إبرام اتفاقية مع المكسيك تهدف إلى إزالة الحواجز التجارية وتعزيز النمو الاقتصادي للطرفين.

اشترِ أمريكيا ووظف أمريكيا
السياسات الاقتصادية الداخلية تأتي على عدة محاور تهدف لتعزيز النمو الاقتصادي، بالقيام بإجراءات مختلفة تنعكس بزيادة الطلب على المنتجات الإمريكية، وتوظيف المواطنين.

هدد ترامب الاتحاد الاوروبي برسوم جمركية مالم يقوم الاوروبيين بتقليص العجز التجاري البالغ 125 مليار دولار في 2023 من خلال شراء النفط والغاز. وتهدف الولايات المتحدة تعزيز إنتاج الطاقة المحلية عبر جميع القطاعات، رغم بلوغ الإنتاج لمستويات قياسية ليبلغ في أكتوبر 13.5 مليون برميل من النفط يوميا، إلا أن ترمب قد يتجه نحو رفع القيود على التنقيب وفتح مناطق جديدة لها وتسريع عمليات منح التصاريح والموافقة على مشاريع خطوط الأنابيب مثل خط "كيستون إكس إل" الذي يهدف لنقل 800 ألف برميل من النفط يوميا من كندا إلى خليج المكسيك في الولايات المتحدة وأوقفه بايدن في 2021 كجزء من التزامة بمكافحة تغير المناخ. بالإضافة إلى خفض اللوائح التنظيمية.

يسعى الجمهوريون إلى تيسير اللوائح التنظيمية لدعم النمو الاقتصادي وخفض التكاليف على العمال والشركات، مع تمديد قانون تخفيض الضرائب الذي خفض ضريبة الشركات إلى 21%، وإلغاء الضرائب على الإكراميات. في التجارة، يركزون على سياسة "أمريكا أولاً"، بإعادة سلاسل التوريد إلى الداخل، حماية المنتجين الأمريكيين، وحظر التعامل مع الشركات التي تصدّر الوظائف حت سياسة "اشترِ أمريكيا ووظف أمريكيا". كما يخططون لتنشيط صناعة السيارات عبر إلغاء القيود الحالية ومنع استيراد السيارات الصينية. أما الابتكار، فيركزون على دعم العملات الرقمية، تعزيز الذكاء الاصطناعي، وتطوير قطاع الفضاء من خلال توسيع الشراكات وإرسال بعثات إلى القمر والمريخ.

سياسات ترمب في الرئاسة الاولى

ركزت السياسة الاقتصادية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال فترته الأولى على تحقيق شعار "أمريكا أولاً" من خلال مجموعة من الإجراءات الداخلية والخارجية.

داخليا، تضمنت السياسات تقليص الضرائب عبر قانون خفض الضرائب والوظائف لعام 2017، الذي قلل ضريبة الشركات من 35% إلى 21% وخفض الضرائب على الأفراد، مع التركيز على تخفيف القيود التنظيمية لتعزيز الاستثمار المحلي.

خارجيا، اعتمد ترامب سياسة حماية تجارية متمثلة في فرض تعريفات جمركية على واردات السلع، خصوصا من الصين، بهدف تقليص العجز التجاري. كما أعاد التفاوض على اتفاقيات تجارية مثل "اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية"، لتحل محلها "الاتفاقية الأمريكية-المكسيكية-الكندية".

على الرغم من نجاح هذه السياسات في تعزيز النمو الاقتصادي وخفض البطالة إلى أدنى مستوى في 50 عام عند 3.5% قبل جائحة كورونا، إلا أن آثارها أنعكست على ارتفاع العجز الفيدرالي وزيادة الدين الوطني.

مع بداية جائحة كوفيد-19، انكمش الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير وارتفعت معدلات البطالة، مما دفع الإدارة إلى تقديم حزم تحفيزية مثل قانون "CARES" بقيمة 2.2 تريليون دولار. ورغم الدعم المؤقت الذي قدمته، إلا أن ذلك أضاف المزيد من الأعباء على الدين العام، ليصل إلى مستويات قياسية بلغت 27.75 تريليون دولار ارتفاعا من 19.95 تريليون دولار في بداية فترته الرئاسية ليتجاوز الناتج المحلي لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.

الأكثر قراءة