الطلب على النفط في الصين يتراجع بوتيرة أسرع مما يظن المنتجون

الاعتماد على تحفيز سلطات بكين للاقتصاد غير فعّال وسط تزايد الحواجز الجمركية على المنتجات الصينية

هل لا تزال الصين الدافع الأفضل لاستمرار الطلب على النفط؟ أم أنها الأسوأ؟
بينما تصب معظم دول العالم الاهتمام على أزمة قطاع العقارات في الصين، يبدو الهدوء على الرؤساء التنفيذيين لشركات النفط، قال الرئيس التنفيذي لشركة "أرامكو السعودية "أمين الناصر" في مؤتمر بسنغافورة في أكتوبر الماضي: "متفائلون للغاية تجاه الصين وتزايد طلبها، بالأخص في ظل اتخاذ حزمة كبيرة من إجراءات تحفيز الاقتصاد".
لدى كبرى الجهات الدولية المتخصصة بمجال توقعات النفط توقعات مشابهة، فرغم أن نمو الطلب العام الماضي كان أقل بكثير عن حجم الارتفاعات السنوية على مدى العقد الماضي التي بلغت في المتوسط 600 ألف برميل يومياً، فإنه ما زال إيجابياً، وفق تقديراتها. فيما ارتفع الاستهلاك بنحو 300 ألف برميل يومياً، بحسب منظمة "أوبك". في حين توقعت وكالة الطاقة الدولية ارتفاعاً أكثر تواضعاً بمقدار 200 ألف برميل يومياً.
غير أن بيانات الجمارك والإنتاج في الصين تظهر وضعاً مختلفاً، فبجمع ما عالجته مصافي التكرير المحلية وصافي حجم صادرات الوقود، مثل البنزين والديزل، سيتضح أن استهلاك النفط تراجع بنحو 300 ألف برميل عن مستواه في 2023.

تحدٍ آخر في الصين أمام منتجي النفط

إذا كانت الصين تستمر في شراء كميات كبيرة من الخام، يرجع ذلك على الأرجح إلى زيادة المخزون، الذي يعد منخفضاً نسبياً وفق مقاييس الدول الأخرى المستوردة للنفط، فالوقود الذي استُخدم في ملء المخزون خلال 2024، هو في الأساس استهلاك مستقبلي قبل موعده، لذلك لا يعد مقياساً يمكن الاعتماد عليه في حالة الاستثمار بمشروع نفط يمتد 15 عاماً.
هناك نوع آخر من الاستهلاك السابق لموعده سيشكل تحدياً آخر أمام منتجي النفط، حيث أُعلن هذا الشهر أحد العناصر الرئيسية من حزمة إجراءات تحفيز الاقتصاد التي شهدناها وأشاد بها الناصر، وهو تمديد سياسة الدعم الحكومي بقيمة 81 مليار يوان (11 مليار دولار) لاستبدال المركبات، والتي تهدف إلى تشجيع المستهلكين على استبدال السيارات والأجهزة المنزلية القديمة بأنواع أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة.
وكما أوضح كبير المحللين الاقتصاديين السابق لدى "مورجان ستانلي"، ستيفن روتش، فإن الإجراء لن يؤدي إلى ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي، لكنه سيغير موعده، إذ يشجع الناس على شراء سلع معمرة جديدة في موعد أقرب مما كانوا سيفعلون. لكن التأثير في استهلاك الوقود سيكون أطول، لأن شراء سيارة كهربائية في موعد أقرب من المتوقع يعني انخفاض الطلب على البنزين بوتيرة أسرع.

المركبات الكهربائية تضغط على طلب النفط في الصين

شكلت المركبات الكهربائية نحو 60% من إجمالي السيارات التي جرى شراؤها بموجب هذا البرنامج، ووصلت سوق السيارات في الصين إلى نقطة تحول بالفعل، إذ بلغت نسبة المركبات الكهربائية والهجينة القابلة للشحن الخارجي (التي يطلق عليها داخل البلاد اسم سيارات الطاقة الجديدة) من إجمالي مبيعات السيارات 49.4% في ديسمبر و46.8% خلال العام بأكمله، وبالتبعية، ستنخفض نسبة المركبات التقليدية والسيارات الهجينة العادية في السوق هذا العام، وستستمر في التراجع خلال الأعوام المقبلة، وتتوقع "بلومبرغ إنتليجنس" أن تبلغ الحصة السوقية لسيارات الطاقة الجديدة 68% في 2027، وأن تصل إلى 81% في 2030.
يبلغ العمر الافتراضي للسيارات في الصين نحو 13 عاماً، لذلك يُرجح أن عدد السيارات التقليدية حالياً مستقر منذ بضع سنوات، وتهيمن عليه الطرز الأحدث الأكثر كفاءة في استهلاك الوقود بشكل متزايد، ما يجعل نمو الطلب على النفط في سوق كهذه في غاية الصعوبة.

ارتفاع صادرات الصين من البتروكيماويات

لإعطاء الناصر حقه، فإن تفاؤله الكبير تجاه الطلب على النفط في الصين يولي البتروكيماويات اهتماماً أكبر من وقود المركبات، لكن اعتبار ذلك عنصراً ضمن اتجاه نمو الطلب في البلاد أمر بالغ الصعوبة. فكما أشرنا، تبذل الصين جهوداً منذ سنوات لتوطين ودعم قطاع البتروكيماويات عبر عدد من مصافي التكرير الضخمة المتخصصة في إنتاج البوليمرات والكيماويات العضوية الأخرى، ويُعاد تصدير معظم هذه المنتجات، إما في شكلها الخام، أو في صورة لوحة عدادات سيارة كهربائية من إنتاج "بي واي دي"، على سبيل المثال. لذلك فإن اقتصار الاستهلاك النهائي على السوق المحلية مسألة قابلة للخلاف.
لننظر إلى البضائع البلاستيكية، مثل الحقائب والأواني والسلع المنزلية الرخيصة والأقمشة والمواد المبيعة بالجملة، فصادرات هذه الفئة ارتفعت من 80 مليار دولار في 2018 إلى 132 مليار دولار في 2023، ويتجه معظمها إلى دول جنوب وجنوب شرق آسيا التي تتحول بشكل متزايد إلى منشآت لتصنيع (ما تستورده) من الصادرات الصينية.
من الصعب تحديد حجم النفط المستخدم في ذلك، لكن إذا افترضنا بيعه بسعر أعلى بـ50% عن السعر السائد للبولي إيثيلين- المادة الأولية البلاستيكية الأكثر انتشاراً- سيمثل ذلك نحو 600 ألف برميل يومياً، نحو خمس ارتفاع استهلاك الصين من النفط خلال الفترة.
تُستهلك تلك المنتجات والمواد الخام الأحفورية المستخدمة في تصنيعها، سواء في الصين أو في دول أخرى. لكن يجب على الدول المنتجة للنفط التي تعتمد على التحفيز الحكومي للاقتصاد الصيني لتعزيز الطلب على منتجاتها أن تفكر بعناية وجدية في البلد الذي يعيش فيه المستهلك النهائي، ففي فترة يرفع فيها العالم حواجز التعريفات الجمركية أمام المنتجات الصينية، فإن الاعتماد المفرط على قطاع تصدير جديد وكبير بوصفه المستهلك الأساسي للنفط الذي تنتجه يبدو تهوراً.

خاص بـ"بلومبرغ"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي