هل ينجح الذكاء الاصطناعي في ضبط إيجارات دبي؟
تُقبل دبي، إحدى أغلى مدن العالم في أسعار الإيجارات، على مرحلة جديدة في سوق الإسكان بعد إعلان دائرة الأراضي والأملاك الحكومية عن مؤشر الإيجارات الذكي، وهو نظام جديد يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحديد نسب الزيادة الإيجارية للعقود القديمة، كما سيُستخدم كمرجع استرشادي للعقود الجديدة.
ووفقا لـ"اقتصاد الشرق مع بلومبرغ "، سجلت دبي العام الماضي أكثر من 900 ألف عقد إيجار، بمعدل نمو سنوي يناهز 8%، بحسب بيانات حكومة دبي. ويُغطي المؤشر الجديد المناطق السكنية في المدينة، بما في ذلك المناطق الرئيسية، ومناطق التطوير الخاصة، والمناطق الحرة.
بموجب المؤشر الجديد، سيتم تحديد نسب الزيادة في العقود القديمة بناءً على الفارق بين القيمة الإيجارية الحالية ومتوسط أجر المثل. حيث تبدأ من صفر بالمائة للإيجارات دون 10% عن متوسط أجر المثل، وتصل كحد أقصى إلى 20% كزيادة بالنسبة للإيجارات دون 40% عن المتوسط.
يرغب مسؤولو الإمارة من خلال هذ المؤشر في "تعزيز الشفافية والعدالة في تحديد القيم الإيجارية بالاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي ونظام تصنيف المباني وتقديم تقييمات عادلة ودقيقة، بهدف تحقيق توازن عادل يحمي حقوق كل من المؤجرين والمستأجرين، ويُسهم في استقرار السوق"، بحسب بيان صادر عن دائرة الأراضي والأملاك في دبي.
ما الجديد في المؤشر؟
يعتمد المؤشر على نظام تقييم خاص بالعقارات، إذ لا يقوم فقط على السعر المتوسط ضمن المنطقة، فهو يُقيّم قيمة الإيجارات بناءً على عوامل عدة مثل عمر العقار والموقع ووسائل الراحة والاعتماد على الطاقة النظيفة والطلب، بحسب أليك سميث، رئيس المبيعات والتأجير في شركة "سافيلز الشرق الأوسط".
بدوره، يرى شريف سليمان، الرئيس التنفيذي المعني بالإيرادات في "بروبرتي فايندر" (Property Finder)، أن هذا "المؤشر سيخلق مشهداً إيجارياً أكثر توازناً وإنصافاً للمستأجرين". لافتاً إلى أن "تحقيق الشفافية والعدالة أمرٌ بالغ الأهمية لدفع عجلة النمو المستدام في القطاع العقاري، مع زيادة الثقة في الوقت نفسه، وهو مكسب للطرفين".
ومن شأن هذا المؤشر الجديد أن يوفر قيمة إيجارية أكثر تخصيصاً ودقة لكل عقار، ما يضمن أن تعكس الإيجارات قيمتها السوقية الحقيقية بشكل أفضل. يأتي هذا في وقت سجلت المدينة في الربع الثاني من العام الماضي ارتفاعاً في إيجارات الوحدات السكنية بنحو 21% على أساس سنوي، وفقاً لتقرير صدر عن شركة "جيه إل إل" للاستشارات العقارية العام الماضي.
"المؤشر الجديد سيسهل عملية قيام المُلّاك بتنفيذ زيادات مبررة في الإيجار، خاصةً بالنسبة للعقارات عالية الجودة أو العقارات التي يزداد الطلب عليها"، كما يصرح أليك سميث لـ"الشرق". مضيفاً: "هذا سيجعل أسعار الإيجارات تتماشى مع ظروف السوق الفعلية بدلاً من البيانات التاريخية، وهو يمثل تحولاً نحو مزيد من الدقة والإنصاف والشفافية في السوق".
زيادة جاذبية عقارات دبي
إن أي تحرك من جانب السلطات لتحسين دقة وتوافر بيانات الإيجارات السكنية، والآلية التي يتم بها تحديدها، ستسهم بشكل أكبر في تعزيز جاذبية دبي كوجهة للاستثمار العقاري، كما يقول فيصل دوراني الشريك ورئيس قسم أبحاث الشرق الأوسط لدى "نايت فرانك".
"درسنا في تقريرنا عن دبي 2024، الإقبال الشرائي لدى الأفراد ذوي الثروات الصافية الكبيرة عالمياً، وتوصلنا إلى أن 64% من المشترين الدوليين مهتمون بالحصول على عقارات استثمارية في المدينة، للاستفادة من النمو السكاني القوي وطلب المغتربين على الإيجارات، وأيضاً بسبب العوائد الإيجارية المرتفعة نسبياً في المدينة التي تراوح بين 4% و6% والتي تفوق العديد من المدن الكبرى الأخرى عالمياً"، وفقاً لدوراني.
مزايا للمالك والمستأجر
يشير تيمور خان، رئيس قسم الأبحاث بالشرق الأوسط وإفريقيا لدى "جيه إل إل" للاستشارات العقارية، إلى أن الفارق الأساسي بين المؤشر الجديد والحالي هو أن تقييم الإيجارات كان مرتبطاً إلى حد كبير بالمنطقة، وضرب المثل قائلاً "إذا كان لديك مبنى يتمتع بجودة مرتفعة جداً في منطقة تمثل سوقاً متوسطة من حيث قيمة الإيجار، فإنك كمالك للعقار ستواجه صعوبات لزيادة قيمة الإيجار بشكل كبير لأنه تجري مقارنتك بالسوق الأوسع نطاقاً والتي لا تعكس منتجك. لكن الآن سيتم النظر إلى كل أصل عقاري ومزاياه بشكل كبير وبتحسينات أكبر بكثير من حيث كيفية عمل مؤشر الإيجارات".
وينوّه بأن مزايا المؤشر الجديد أنه سيشجع مالكي العقارات على الاستثمار في عقاراتهم لتحسين جودتها وجودة الخدمات المقدمة لأن هذا سيعود عليهم بمنافع مالية، كما أن البيانات ستصبح أكثر حداثة من حيث الوقت، لأنها تعكس ظروف السوق الحالية بشكل فوري، بينما كان المؤشر السابق يعتمد على البيانات السنوية وبالتالي كان هناك بعض التأخير من حيث الزيادات في الإيجارات، بحسب خان.
تتجلى مزايا المؤشر في جعل الأسعار أكثر دقة وتعكس القيمة الحقيقية للعقار، بحسب روهيت باتشاني، الشريك المؤسس في "ميرلين" العقارية. حيث أوضح لـ"الشرق" أن "المؤشر يعتمد طريقة أكثر تطوراً وإنصافاً لتسعير الإيجارات ولذلك سيُحدث فرقاً كبيراً، خاصة في المناطق التي تضم مزيجاً من العقارات القديمة والجديدة مثل وسط مدينة دبي والخليج التجاري، لأنها شهدت مشاريع تطوير جديدة وراقية بينما تضم مبان قديمة ذات مستويات معيشية متفاوتة، لكن الأسعار كانت في بعض الأحيان غير متناسقة بعض الشيء".
يُنتظر من المؤشر الجديد أن يوفر إطاراً أكثر إنصافاً للملاك والمستأجرين على حد سواء. نوه أليك سميث إلى أن تقييم العقارات بشكل فردي يضمن أن تستند قيم الإيجار إلى الجودة المحددة للعقار ومدى استحقاقه، بدلاً من تطبيق سعر عام في المنطقة.
يأتي قرار العمل بهذا المؤشر بينما يُعاني بعض القاطنين في دبي ارتفاع أسعار الإيجارات بعد أن جذبت الإمارة العديد من الفئات مرتفعة الأجر مثل المصرفيين والمحامين وغيرهم في السنوات الأخيرة بفضل نظامها الضريبي والموقع الزمني الملائم، ما دفع العاملين ذوي الأجور المنخفضة للجوء في السكن إلى جارتها الشارقة.
من الناحية النظرية، ينبغي أن يؤثر المؤشر إيجابياً في اتجاه تقليل النزاعات العقارية، مع استفادة جميع المشاركين في السوق من زيادة الشفافية، بحسب ماثيو غرين، رئيس قسم الأبحاث لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شركة "سي بي آر إي" (CBRE) في حديث لـ "الشرق".
أما بالنسبة للملاك، فسيوفر المؤشر فرصة للحصول على إيجارات أعلى للعقارات التي تتم صيانتها بشكل جيد أو العقارات المتميزة، ما يحفز الاستثمار في تحديث العقارات، أما بالنسبة للمستأجرين، فهي تضمن لهم دفع قيمة سوقية عادلة تتوافق مع جودة العقار وميزاته، بحسب سميث.
كانت دبي حلت بالمركز الرابع عالمياً ضمن المدن الأكثر زيادةً في إيجارات المساكن عام 2023، وفقاً لمؤشر المدن ذات المساكن الأغلى إيجارات حول العالم الصادر عن شركة "سافيلز" (Savills) لسمسرة العقارات. وتتنافس الإمارة مع مدن عالمية تشهد ارتفاعاً في الإيجارات مثل لشبونة وسنغافورة.
التأثير في السوق
يعد أليك سميث من "سافيلز" أن المؤشر سيشجع المُلاك على تحسين العقارات القديمة للمنافسة بفعالية، كما سيؤدي المؤشر إلى زيادة ثقة المستثمرين، حيث أنه يخفف من المخاطر المرتبطة بالإيجارات بأقل من قيمتها الحقيقية للمستأجرين على المدى الطويل.
شهدت الإيجارات في دبي قفزة بنسبة بلغت 83% منذ 2020، وفق حسابات شركة "كوشمان آند ويكفيلد كور"(Cushman & Wakefield Core). وكان هذا الانتعاش مدعوماً بتدفق المستثمرين الأثرياء -بمن فيهم الروس- الذين يسعون إلى حماية أصولهم، وأصحاب الملايين من المتعاملين في العملات المشفرة، والهنود الأثرياء الباحثين عن منزل ثان.
بينما أفاد غرين من "سي بي آر إي" أن "تقييم التأثير طويل المدى للمؤشر أمر سابق لأوانه". لكنه أضاف في حديث لـ"الشرق": "هذا الأمر جيد للسوق، وخاصة فيما يتعلق بمواصلة جذب أموال المؤسسات الأجنبية إلى الإمارة".
تحتضن دبي حالياً 3.8 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 5.8 مليون بحلول 2040، وفقاً لبيانات رسمية. يُسهم هذا التدفق من العاملين الأجانب في انتعاش اقتصاد الإمارة لكنه يؤدي أيضاً إلى زيادة الضغط وارتفاع الطلب على العقارات السكنية.
من المرجح أن يكون تأثير المؤشر بارزاً في المناطق التي تحتوي على مزيج من العقارات، خاصة في مجمعات مثل "الخليج التجاري" و"نخلة جميرا"، بحسب غرين، إذ يمكن أن يكون هناك فرق كبير بين قيمة العقارات القديمة والجديدة.
يعتقد باتشاني من "ميرلين" أن "القيمة الحقيقية لمؤشر الإيجار الذكي تكمن في العدالة والقدرة على التنبؤ الذي تقدمه للسوق. بالنسبة للمستأجرين، سيساعد النظام الجديد على الحد من الزيادات التعسفية في الإيجارات". وأضاف: "هناك تأثير آخر مرتقب يتمثل في ضمان تناسق الأسعار، إذ يُرتقب أن تكون الإيجارات معبرة عن السمات الخاصة بكل مبنى بدلاً من تجميع كل شيء معاً حسب المنطقة، وهذا سيحقق الاستقرار والإنصاف اللذين تشتد الحاجة إليهما".
إضافة إلى الحصول على رؤية واضحة وفورية حول قيم الإيجارات، وبالتالي التقليل من أي نزاعات محتملة، فإن المؤشر سيجعل السوق أكثر جاذبية وإتاحة للمستثمرين المخضرمين والوافدين الجدد على حد سواء، مما يدفع عجلة النمو المستدام في القطاع العقاري في دبي، بحسب سليمان من "بروبرتي فايندر".