الرسوم الجمركية .. من أداة اقتصادية لحماية الصناعة الوطنية إلى عقاب سياسي
يرى خبراء اقتصاد غربيون أن تحوّلا في المفاهيم الاقتصادية التقليدية للتعريفات الجمركية ظهر خلال السنوات الأخيرة، إذ أصبحت أدوات سياسية ذات طابع عقابي في كثير من الأحيان، بدلا من أدوات اقتصادية بحتة تُستخدم وفقا لمعايير محددة لحماية الصناعة الوطنية ومنع الإغراق.
ينظر هؤلاء إلى ما يصفونها بالحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين كنموذج لطغيان الدوافع السياسية على الأهداف الاقتصادية في التعامل مع التعريفات الجمركية.
تاريخيًا، استُخدمت التعريفات الجمركيّة لحماية الصناعات المحليّة، وتوليد الإيرادات الحكومية، والتحكّم في الموازين التجارية.
لكن في العقد الأخير تراجع هذا الدور، وأصبحت تطبيقاتها تجسّد رؤية سياسية ضيقة ذات تداعيات سلبية على النمو الاقتصادي وديناميكيات التجارة الدولية، وفقا لما قاله خبراء دوليون تحدثوا لـ"الاقتصادية".
في الدورة الرئاسية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترمب من 2016 إلى 2020، فُرضت رسوم جمركية على سلع صينيّة تزيد قيمتها على 369 مليار دولار.
بررت الإدارة الأمريكية حينها هذا القرار بأنه رد فعل على ما وصفته بسرقة الصين للملكية الفكرية واختلال التوازن التجاري بين البلدين، لكن أغلب الخبراء رأوا أن لهذه الإجراءات دوافع جيوسياسية أكثر من أيّ مبررات اقتصادية حقيقية.
وبالمثل، أظهرت الرسوم التي فرضها الاتحاد الأوروبي على المنتجات الأمريكية خلال إدارة ترمب كيف يمكن للسياسات التجارية أن تتصاعد إلى مواجهات سياسية. ولم تكن هذه التدابير ضارة بالاقتصاد فحسب، بل أدت أيضا إلى توتر التحالفات القائمة منذ فترة طويلة.
التجارة الدولية والنمو يتضرران
ويرى الدكتور إس. باون، أستاذ التجارة الدولية، أن أيّ موجة عالميّة جديدة من الرسوم الجمركيّة قد تتسبب في تعطيل تدفقات التجارة الدوليّة والنمو الاقتصادي.
وأشار بارون إلى انكماش حجم التجارة العالمية للسلع بنسبة 5.3% 2020 نتيجة تلك الرسوم الجمركية، كما ذكر أنّ الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وحدها خفّضت الناتج المحلي الإجمالي العالمي 0.5% بخسارة قدرها 430 مليار دولار.
وقال لـ"الاقتصادية": إن التعريفات الجمركية أدّت إلى ارتفاع التكاليف بالنسبة للشركات والمستهلكين، وردع الاستثمار الأجنبي، وإضعاف سلاسل القيمة العالميّة.
أضاف: "تؤدّي التدابير الحمائية أيضا إلى عدم الكفاءة، وارتفاع الأسعار، وتقليل التعاون العالمي".
ولا ينفي بعض الاقتصاديين أنّ التعريفات الجمركية قد تُقدم مكاسب سياسيّة قصيرة الأجل، لكنهم يحذرون من أن "إدمانها" يُقوض النمو الاقتصادي في الأجل الطويل من خلال تشويه تخصيص الموارد وتعزيز التدابير التجارية الانتقامية.
"حلقة مفرغة"
وقال الباحث في الاقتصاد الدولي بول بيترسون في حديث لـ"الاقتصادية": إن التعريفات الجمركية تحوّلت في العقدين الماضيين من أداة اقتصادية محدودة الاستخدام زمنيا بهدف حماية الاقتصاد الوطني إلى أداة سياسية تُضعف الثقة في نظام التجارة المتعددة الأطراف، وتُقوّض دور منظمة التجارة العالمية، وتُفتت شبكات التجارة".
أضاف: "بالنسبة للدول النامية، فإن هذه الديناميكيات تُفاقم تحديات الوصول إلى الأسواق العالمية. علاوة على ذلك، تخلق التعريفات الجمركيّة الانتقامية ذات الطابع السياسي حلقة مفرغة، ما يُقلل من حجم التجارة والكفاءة الاقتصادية".
وتابع: "برز ذلك في انخفاض الصادرات الزراعية الأمريكية إلى الصين بنسبة 53% بين عامي 2017-2019 بسبب التعريفات الجمركية الانتقامية، ما أثر بشدة في المزارعين الأمريكيين".
في المقابل، يرى خبراء أنّ التعريفات الجمركية المُسيسة باتت واقعا يجب التعامل معه، وأنه حتى يتم معالجة هذا الوضع المختل، يجب العمل على التخفيف من الآثار السلبية لتلك التعريفات عبر إعطاء الأولوية للتعاون متعدد الأطراف.
"أمر واقع" يستلزم جهودا جماعية
وفي حديث لـ"الاقتصادية" قالت الباحثة السابقة في منظمة التجارة العالمية لورين كورجمان: إن استعادة العقلانية الاقتصادية للاقتصاد الدولي تتطلب تعزيز آليات حل النزاعات في منظمة التجارة العالمية وتعزيز الحوار بين الاقتصادات الكبرى".
أضافت: "هذا النمط من التفكير يُساعد على نزع الطابع السياسي عن سياسات التجارة، هناك حاجة لأنظمة تجارية شفافة قائمة على القواعد لضمان المنافسة العادلة والحد من التدخل السياسي".
ويمكن إيجاز المشهد بالقول: إن تحوّل التعريفات الجمركية من أدوات اقتصادية إلى أدوات سياسية قوّض أغراضها التنموية التقليدية وأثر سلبا في النمو الاقتصادي والتجارة الدولية.
ويتطلب التصدي لهذا التحدي بذل جهود جماعية من جانب الدول لإزالة الطابع السياسي للتعريفات الجمركية واستعادة الثقة في أنظمة التجارة الدولية بهدف خلق بيئة تجارية أكثر استقرارًا وازدهارا.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قد هدد فور تنصيبه في 20 يناير الجاري بفرض رسوم جمركية نسبتها 10% على السلع الصينية، حيث قال: إن هذا الأمر مطروح وقد ينفذ الشهر المقبل. كما تعهد بفرض رسوم جمركية كبيرة على كل من: كندا والمكسيك.