المعاملات المالية الإسلامية وأدواتها
تتضمن المعاملات المالية تحكمها في الشريعة الإسلامية 4 مبادئ:
الأول: الأصل في المعاملات الإباحة. والثاني: تحريم الربا. والثالث: خلوها من الغرر. والرابع: منع بيع ما ليس مملوكا للبائع.
هناك اتفاق بين الفقهاء على أصل هذه المبادئ، ولكن التفاصيل فيها خلافات. وهنا لا بد أن المقصود بالغرر جهالة بالمعقود عليه. وتدقيقا، العبرة ليست في خلو المعاملة من الغرر تماما، فهذا صعب وفيه حرج شديد. ويمكن ضبط ذلك في إطار ما دعت إليه الحاجة، ولم يكن الغرر هو العامل المسيطر.
يمكن أن يدمج المبدأ الرابع بالثالث، ألا يبيع الواحد ما لا يملك، وقد صح النهي عن بيع الإنسان ما ليس عنده، إلا أن أهل الفقه اختلفوا في المقصود، هل النهي يتناول المعين (كبيع بيت بعينه، قبل أن يتملكه) والموصوف غير المعين سواء كان يقدر على تسليمه أو لا، مع استثناء بيع السلم، وهو بيع يعجل فيه الثمن وتؤخر فيه السلعة إلى وقت تسليم معلوم، أم أن النهي يتناول فقط المعين وغير مقدور على تسليمه، أو فيه صعوبة بينة؟ رجح فقهاء معاصرون أن النهي يتناول المعين فقط، أو الموصوف غير المقدور على تسليمه.
استخرج أو كَيَّف الفقهاء والمهتمون بقيام معاملات مالية إسلامية صيغا وأدوات تمويل، متوافقة مع المبادئ السابقة، أذكر منها وباختصار ما يلي:
المرابحة: وهي عند الفقهاء بيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح، أو هي بيع برأس المال وربح معلوم. والمرابحة المصرفية تعني قيام البنك بشراء السلع أو الأسهم بناء على طلب العميل، ومن ثم بيعها بعد تملكها على العميل بالآجل. بتعبير آخر، تستند إلى مبدأ البيع بالآجل الجائز في الشريعة الإسلامية.
الاستصناع: ويقوم على أساس قيام الممول بالتعاقد مع العميل على تنفيذ مشروع معين، وتحمل جميع التكاليف، ثم تسليمه كاملا إلى العميل بمبلغ وتاريخ محدد.
السلم: من التسليم أي الإعطاء، وهو من العقود المعروفة قبل الإسلام، وهو بيع شيء محدد مؤجل تسليمه، بثمن يدفع عاجلاً. والسلم التمويلي يقصد به دخول الممول في عقد سلم بائعاً أو مشترياً لكمية معلومة من سلعة إلى أجل معلوم بثمن مدفوع نقداً.
الإجارة: وهو عقد معروف لدى عامة المجتمعات في القديم والحديث.
التأجير المنتهي بالتمليك أو الوعد بالتمليك: نظريا له عدة صور، وربما كان أشهرها أن ينص العقد على دفع أقساط إيجاريه تنتهي بالتمليك، وهذه -حسب علمي- ممنوعة عند بعض الفقهاء، أما أن تقترن بوعد بالتمليك فمقبولة.
التورق: في الاصطلاح الفقهي هو شراء سلعة ليبيعها على غير بائعها الأول للحصول على النقد. مثل أن يشتري سلعة بثمن مؤجل ثم يبيعها لآخر نقداً ليحصل على ثمنها في الحال لرغبته في الحصول على النقد.
البيع بالتقسيط: عكس السلم، ففي هذا البيع، يتم تسليم السلعة في الحال مقابل تأجيل سداد الثمن إلى وقت معلوم سواء كان التأجيل للثمن كله أو لجزء منه، وعادة ما يتم سداد الجزء المؤجل من الثمن على دفعات أو أقساط.
المشاركة: يقوم التمويل بالمشاركة على أساس تقديم الممول التمويل الذي يطلبه المتعامل مقابل مشاركته في الناتج المتوقع ربحاً كان أو خسارة، وذلك بناء على قواعد وأسس متفق عليها بين الطرفين، وهذا نوع من الشركات.
الصكوك: أدوات دين للتمويل الخالي من التعامل بالفائدة، وبدلا منها تربط مثلا بنسبة من العوائد المتوقع تحققها، مثلا، نسبة شائعة من الأرباح الناتجة عن الاستثمارات المختلفة للمنشأة المصدرة. ومن المهم أن نعرف أن جعل الدين المؤجل الثابت في ذمة الغير يشترط له ألا يكون نقودا (قد يكون عقارا)، حتى يقبل تحويله إلى صكوك قابلة للتداول في سوق المال.
وخلاصة القول: إن بعد معرفة أساسيات المبادئ والأدوات المقبولة شرعا للمعاملات المالية، فإن التطبيق لا يعني تحقيق مجتمع مالي مثالي في التطبيق، ولا يعني ضمان سلامة القطاع المالي من المشكلات والضعف. من يرى ذلك فهو يرى نظرة مثالية متوهمة.
كما أن التطبيق لا يلغي حب البشر للمال، بعض النظر عن أديانهم. وهذا الحب يجر إلى وقوع تصرفات غير مقبولة في الأحكام والقوانين.
تطبيق تلك المبادئ مطلوب، ولكنه لا يعني أن التطبيق يلغي الرغبة في تعظيم الأرباح. التطبيق لا يعني أنه تحول إلى عمل خيري نفعي غير ربحي.
ومن جهة أخرى، فإن التطبيق لا يلغي أهمية تثقيف وتعويد طالبي التمويل على كيفية الحصول على أنسب تمويل وكيف ينفقونه، ولا على كيفية استخدام التمويل ضمن توجهات تدعم تطوير وتنمية الاقتصاد، وتحسين وسائل الإنتاج، وحسن الإنفاق الفردي والمؤسسي.
والجهات المطبقة للتمويل المتفق مع قواعد الشريعة لا يعني أنها لا تخضع للمعايير التي تحكم سلوك المنشآت التجارية.