حرب التجارة على كل الجبهات

"أعتزم إعلان فرض رسوم جمركية على كثير من الدول هذا الأسبوع" دونالد ترمب، رئيس الولايات المتحدة

لم تنتظر الولايات المتحدة طويلاً، لكي تبدأ بإدارتها الحالية، موجة من الرسوم الجمركية الإضافية على عدد محدد من الدول، والتهديد بفرض رسوم أخرى على عدد آخر من البلدان. هذه السياسة ليست جديدة على إدارة الرئيس الجديد - القديم دونالد ترمب، بل تدخل في صميم رؤيته للعلاقات الدولية، مع الأصدقاء والحلفاء، فضلاً عن الأعداء. الجميع كان مستعداً لهذه الموجه، وحضر بالفعل أدوات الرد، رغم اللهجة الدبلوماسية الحادة بعض الشيء، التي لا تزال الدول المستهدفة تتحلى بها. في ظل هذا المشهد، فإن رحى حرب تجارية بدأت بالفعل، علماً بأن ترمب نفسه يستخدم بين الحين والآخر "لهجة" تدل إلى إمكانية التفاهم، ولكن ليس بالطبع على حساب الرؤية التجارية الواضحة لإدارته.

التفاهم المقصود هنا، لا يعني التراجع عن قرارات اتخذها بالفعل ضد دولتين جارتين هما المكسيك وكندا، تقضي بفرض تعرفة جمركية إضافية بنسبة 25% لتجميد العمل الفوري بها، إلا أن تحل الخلافات المحددة بين أطرافها، وخصوصاً الجانب المتعلق بضرورة قيام أكبر شريكين تجاريين للولايات المتحدة، برفع الجهود في فرض الرقابة الأشد على الحدود. هذه النقطة تعد من أهم أولويات ترمب، التي وضعها محوراً رئيساً في حملتيه الانتخابيتين الأولى والثانية. المكسيك وكندا وافقتا على ذلك بالفعل، إلا أن الأمور لا يمكن أن تنتهي عند هذه النقطة. فرغم سياسة الرئيس الأمريكي التجارية الهجومية، يصعب إغفال إستراتيجيته التي تقوم على رفع السقف للوصول إلى الصفقة الأفضل.

حتى المواجهة التجارية بين واشنطن وأوتاوا ونيومكسيكو، يمكن عدها أقل من حرب تجارية، لو اقتصرت على أطرافها فقط، لكن ضم الصين التي فُرضت على سلعها (مبدئياً) 10% رسوما إضافية إلى الصراع، ودخول الاتحاد الأوروبي قريباً على الخط، وإمكانية انضمام بريطانيا هي أيضاً، سيواجه العالم حرباً تجارية حقيقية، ستضغط بقوة عليه، ولا سيما من جهة سلاسل التوريد، التي مرت حتى وقت قريب، بأطول وأسوأ أزمة منذ بداية القرن الحالي. بل مضى ترمب أبعد من ذلك، حين توعد بفرض مزيد من الرسوم على عدد آخر من الدول. إنه يسعى لتحقيق هدفين أساسيين من إستراتيجية فرض الرسوم الجمركية. الأول، تمويل ميزانية بلاده لسد عجز الاقتطاعات الضريبية التي أدخلها في النظام بالفعل. والثاني، دفع الشركات الأمريكية الناشطة في الخارج، ولا سيما في الصين للعودة إلى بلادها.

لكن اللافت، أن زيادة الرسوم لن تعوض إلا نحو 2% من العوائد السنوية في السنوات المقبلة، في حين أنها ستسهم حتماً في رفع معدلات التضخم في البر الأمريكي، ناهيك عن تأثر المستثمرين الأمريكيين سلباً فيها. ترمب يريد، تجارة تبادلية تحظى الولايات المتحدة فيها بمعاملة متساوية"، بحسب تعبيره، لكن هذا يصعب تحقيقه دون وقوع آثار سلبية على كل الأطراف الداخلة في هذه "الحرب". الأوروبيون، قللوا من نظرتهم للولايات المتحدة كحليف مضمون وأعدوا العدة للرد، حتى البريطانيين الذين لا يزالون يستخدمون اللغة الدبلوماسية، باتوا على استعداد لفشل التفاهمات. هذه الأخيرة، يحتاجها العالم اليوم بقوة، لدعم تعافي الاقتصاد العالمي، ولضمان وتيرة مرنة لسلاسل التوريد، وللتعاون من أجل إزالة التوترات التي تنعكس حول العالم.

ورغم كل شيء، فإن الوقت لا يزال متوافراً لحل الخلافات. ويبدو أن العنف التجاري الأمريكي في عهد ولاية ترمب الثانية، سيكون أقل حدة من فترته الأولى، خصوصاً في ظل انفتاحه على تفاهمات توفر لبلاده حداً مقبولاً من "العدالة" التجارية، وفق مفهومه الذي يكرره في كل المناسبات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي