الاقتصاد العالمي في غنى تام عن أي أزمات جديدة
قياساً على ما واجهه الاقتصاد العالمي من تحدياتٍ جسيمةٍ جداً منذ الأزمة المالية العالمية 2008، ثم اصطدامه بتداعيات جائحة كورونا في مطلع 2020، وما ترتب عليها من ارتفاعٍ لحجم المديونيات بمئات التريليونات من الدولارات على الحكومات والشركات وعلى الأُسر في أغلب الاقتصادات، إضافةًإلى ما رافقها من تقلباتٍ وأزماتٍ حادة في الأسواق العالمية عموماً، وعلى مستوى التجارة العالمية وإمداداتها بمخاطر غير مسبوقة، وزاد من عدم الاستقرار الدولي خلال الثلاث سنواتٍ الأخيرة؛ اشتعال الاضطرابات الجيوسياسية في عديدٍ من أهم المناطق الجغرافية (شرق أوروبا، الشرق الأوسط، شرق آسيا، إفريقيا)،أؤكد قياساً على كل ما تقدم الإشارة إليه اختصاراً؛ فإنّ أيّ تهورٍ من أيّ الأطراف الدولية على أي مستوى (سياسي، عسكري، اقتصادي، مالي، تجاري إلخ)، من شأنه بكل تأكيد أن يدفع حرارة المجتمع الدولي والاقتصاد العالمي نحو مزيدٍ من الغليان، ويزداد الأمر سوءاً إذا كان هذا الطرف الدولي هو الأثقل والأكبر كما يحدث الآن من الولايات المتحدة الأمريكية منذ قدوم رئيسها المعاد انتخابه.
تأتي المستجدات المذهلة من البيت الأبيض بكثافتها وغرائبها اللافتة، وهي التي لم تكمل بعد الـ 100 يوم الأولى للرئيس المعاد انتخابه، وكأنها تعبّر عن فترةٍ من الصعوبات الكأداء المحتمل أن تلحق كثير من الصدمات الحادة بالاقتصاد والأسواق والتجارة عالمياً، دعْ عنك ما قد يتعرض له الاستقرار الدولي من اشتعالاتٍ محتملةٍ، وقد تكون غير مسبوقة تاريخياً ما يجبر الجميع على رفع أهبة استعداداتها عسكرياً إلى الدرجات القصوى، وهو ما يعني مزيدا من الإنفاق المالي المكلف جداً على الحكومات، واقترانه بمزيدٍ من الاستدانة لتمويل نفقاتٍ طارئة لا يوجد أي عائد منها على الاقتصادات والأسواق والمجتمعات، بل تحمل معها مزيد من الأعباء والتكاليف القياسية، التي تتطلب عقوداً من الزمن لسد فجواتها المالية الضخمة.
تستقرأ الأسواق العالمية في الأجلين المتوسط والطويل ما يتطاير شرره بصورةٍ يومية من البيت الأبيض إشارات يميل أغلبها إلى القتامة، وكيف أنّ النهج الصدامي للولايات المتحدة لن يقف أمامه المجتمع الدولي مكتوف اليدي! بل إنّه سيندفع ضدها بسياساتٍ مضادة وانتقامية، ما سيخلق بيئةً دولية ساخنة بكثير من مهددات الاستقرار وسد قنوات النمو والازدهار والانتعاش، والمزعج أن أنماطاً من هذا النوع المتوتر يأتي على جسدٍ دولي منهك جداً من الأزمات والاضطرابات التي ذاق ولا زال يذوقها لضاها لنحو عقدين من الزمن الماضي وأنّه في الوقت الذي كان يترقب شفائه من تداعيات تلك الحقبة الزمنية، وجد نفسه أمام حقبة زمنية قد تمتد إلى يناير 2029 ممتلئة بمزيد من التحديات والتقلبات والمخاطر، وهو ما لم يشهده المجتمع الدولي والاقتصاد العالمي من طوال العقود الماضية من الحرب العالمية الأولى!.
أمام هذه المنعطفات غير المواتية عالمياً؛ يمكن التأكيد على أن الحل يبدأ من الولايات المتحدة الأمريكية.
وهذا ليس فقط بسبب ثقلها الدولي بل لكونها الآن هي المولد الأول للسخونة الدولية الراهنة، لتبدأ بانتهاج مساراتٍ أقل صدامية مع المجتمع الدولي، وأنه خلافاً لهذا التصور للحل؛ لن يتجاوز مجرد هدراً للجهود والموارد، وأنّه مسار أقرب إلى السراب منه إلى الحقيقة التي لا يصح الهروب من مواجهتها، ليبقى السؤال الأهم: هل البيت الأبيض بقمة هرمه الآن على استعدادٍ للاقتناع بهذا المسار الآمن للعالم؟ أم أنه ماضٍ في مساره الصدامي الراهن دون إدراكٍ مسؤول لما قد يترتب عليه من مخاطر عالمية مرتفعة، لن تنجو منها حتى الولايات المتحدة الأمريكية التي يريد رئيسها المعاد انتخابه جعلها أولاً، وقد يجدها في نهاية المطاف قد تراجعت مرتبتها إلى أسوأ مما يفوق تصوره.