أسعار النفط تتراجع مع العزوف عن المخاطرة وانحسار التوترات الجيوسياسية
تراجعت أسعار النفط لليوم الثاني على التوالي بعد موجة ارتفاع قصيرة استمرت لـ3 أيام فقط، وسط معنويات ترجح كفة العزوف عن المخاطرة بفعل انحسار بعض التوترات الجيوسياسية.
وسجلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي تسليم مارس انخفاضا بلغ 1.4% إلى 70.36 دولار للبرميل، في حين خسر خام القياس العالمي مزيج مرنت 1.29%، ليسجل 74.21 دولار للبرميل بحلول الساعة (01:20) بتوقيت غرينتش.
ويرى محللون متخصصون في أسواق النفط أن انحسار التوترات الجيوسياسية بعض الشيء، وسط بوادر عن احتمالات حل الأزمة الأوكرانية الروسية، أثار الآمال في انتهاء اضطرابات الإمدادات وزيادة صادرات الخام.
وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أن نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي عبّرا عن رغبتهما في السلام في مكالمتين هاتفيتين منفصلتين معه، وأمر كبار المسؤولين الأمريكيين بالبدء في محادثات بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا. وانخفض الخامان بأكثر من 2% أمس بعد هذه الأنباء.
وارتفعت مخزونات الخام الأمريكية بنحو 4 ملايين برميل، متجاوزة التوقعات بزيادتها 2.4 مليون برميل فقط، ما أضاف مزيدا من الضغوط النزولية على أسعار النفط، وفقا لمحللين تحدثوا لـ "الاقتصادية".
ضغوط مستمرة
تفاعلت أسواق النفط مع حلول دبلوماسية محتملة قد تؤدي إلى تخفيف العقوبات المفروضة على روسيا وزيادة صادرات النفط، بحسب المحللين، بعد أن تلقت الأسعار دعما من تشديد العرض لفترة طويلة.
وقال مدير شركة "إم.إم.أيه.سي" الألمانية أندريه جروسي لـ "الاقتصادية": إن "معنويات المخاطرة في السوق تراجعت، بعد المناقشات بين ترمب وبوتين، التي أثارت تكهنات بأن التوصل إلى حل للأزمة الروسية الأوكرانية قد يحد من مخاوف الإمدادات من أحد أكبر مصدري النفط في العالم".
تواجه سوق النفط الخام المقومة بالدولار ضغوطا أيضا من ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة "ما يعزز التوقعات بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيحافظ على موقفه المالي المتشدد"، وفقا لما قاله مدير شركة "إنرجي شتايرمارك" النمساوية للطاقة مارتن جراف لـ "الاقتصادية".
وأوضح جراف أن أسعار الفائدة المرتفعة لفترة طويلة من تباطؤ النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة تؤثر في الطلب الإجمالي.
كانت المخاوف بشأن سياسات التجارة العالمية والرسوم الجمركية المحتملة منذ أن وصل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى المكتب البيضاوي قد أدت أيضا إلى تفاقم حالة عدم اليقين، وأثارت مخاوف مستمرة بشأن تباطؤ اقتصادي يقلص الطلب على النفط والغاز الطبيعي في الأشهر المقبلة.
اتجاه معاكس
أكدت "بيزنس ستاندرد" في المقابل أن منظمة "أوبك" تتوقع عدم تأثير الرسوم التجارية المحتملة بشكل كبير في النمو الاقتصادي، وأن المنظمة أبقت لهذا السبب على توقعاتها لنمو قوي في الطلب العالمي على النفط هذا العام، مشيرة إلى نشاط قوي في حركة السفر الجوي والبري.
وخفضت وكالة الطاقة الدولية مجدداً توقعاتها لفائض النفط العالمي هذا العام، في ظل نمو أقوى للطلب في آسيا، والعقوبات على دول ضمن تكتل "أوبك+"، حيث تتوقع حاليا تسجيل فائض قدره 450 ألف برميل يوميا في 2025، ما يمثل خفضاً بنحو 50% في شهرين فقط.
كما عززت الوكالة توقعاتها لاستهلاك النفط العالمي هذا العام بما يقل قليلا عن 100 ألف برميل يومياً، إلى 1.1 مليون برميل يوميا، بينما قلصت توقعات الإنتاج من دول "أوبك+"، بما في ذلك روسيا وإيران مع استهداف الولايات المتحدة لإمداداتهما النفطية.
وبينما أبقت أوبك على تخفيضات الإنتاج الحالية، فإن من المتوقع تخفيفها قريبا، ما قد يؤدي إلى زيادة أحجام الخام المتاحة في السوق، وفقا لما تراه وكالة "بلاتس" للمعلومات النفطية، التي قالت إن سياسة تخفيف التخفيضات قد تتغير أيضا اعتمادا على ظروف السوق.
وبينما تؤثر العوامل الجيوسياسية بقوة في سوق النفط الخام، خاصة في ضوء العقوبات الأمريكية على روسيا وإيران، أكد مستشار شركة "إنرجي.جي.بي" ألكسندر بوجال أن الطلب الهندي قوي.
وقال بوجال لـ "الاقتصادية": "قد لا يتمكن منتجو النفط في الشرق الأوسط من المساعدة على تلبية الطلب الهندي على النفط الخام في الأشهر المقبلة، إذا أثرت العقوبات الأمريكية على روسيا في الإمدادات الأساسية إلى الهند".
وفرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عقوبات جديدة على قطاع الطاقة الروسي في يناير الماضي، بما في ذلك قيود على اثنين من كبار منتجي النفط الروسيين، "جازبروم نفت" و"سورجوتنفت غاز". لكن التأثير الفعلي للعقوبات لم يتضح بعد، إذ يقول بعض المحللين إن التأثير الملموس سيكون ضئيلا.
وتعد روسيا ثالث أكبر منتج للنفط في العالم، وقد أدت العقوبات المفروضة على صادراتها من النفط الخام بعد بداية حربها مع أوكرانيا قبل ما يقرب من 3 سنوات إلى دعم الأسعار المرتفعة.