قادة التكنولوجيا يواجهون مخاوف التراجع السكاني بـ«حركة الولادة» .. فهل الدعوة "بريئة"؟
برز في السنوات الأخيرة اتجاه بين كبار قادة صناعة التكنولوجيا في العالم يدعو إلى زيادة معدلات المواليد، وهو اتجاه يشكل حركة تعرف باسم "المؤيدين للولادة"، ويقول أنصارها إن ما يدفعهم هو الخوف من انخفاض معدلات الخصوبة وتأثيراته الاقتصادية والاجتماعية المحتملة في المدى الطويل.
الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، الذي لديه من الأبناء 12 طفلا، كان أحد هؤلاء؛ فقد دق ناقوس الخطر بشأن الانهيار السكاني عبر منشور على منصة "إكس" حذر فيه من أن انخفاض معدلات المواليد على المستوى العالمي ينذر بـ "مشكلة وجودية للبشرية" وليس الاكتظاظ السكاني، بعد أن أعلنت الصين عام 2022 عدد وفيات فاق عدد المواليد، في أول انخفاض لعدد سكانها منذ 60 عاما.
ليس ماسك الوحيد بين قادة صناعة التكنولوجيا المرتبط بحركة "المؤيدين للولادة"، وإن كان أشهرهم، إذ يدعم هذا التوجه عدد كبير من قادة صناعة التكنولوجيا، خشية مواجهة عالم يتقدم في السن بسرعة مع وجود عدد أقل من السكان في سن العمل، بحسب قولهم.
يدفع هؤلاء أيضا بأنهم يخشون تراجع القوة الابتكارية والنمو الاقتصادي، وانخفاض الطلب الاستهلاكي، فضلا عن الحاجة المتزايدة إلى برامج دعم اجتماعي لمواكبة تزايد عدد المتقاعدين.
الدكتورة شارون أندرسون، المتخصصة في اقتصاد السكان، أوضحت لـ "الاقتصادية" أن معدل المواليد العالمي انخفض من 4.7 طفل لكل امرأة في خمسينيات القرن الماضي إلى نحو 2.3 ولادة لكل امرأة اليوم.
وقالت أندرسون إن "الاتجاه التنازلي بات واضحا بشكل خاص في الدول المتقدمة؛ وإذا استمرت الاتجاهات الحالية، فقد ينخفض عدد سكان أكثر من 23 دولة إلى النصف بحلول عام 2100".
دعوة "غير بريئة"
يرى كثير من خبراء الدراسات السكانية أن المواليد يؤدون دورا حاسما في النمو والاستدامة الاقتصادية بين الأجيال. وتشير بعض الدراسات إلى أن 183 من أصل 195 دولة ستكون لديها معدلات خصوبة إجمالية، أي عدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة طوال حياتها، دون مستوى الإحلال السكاني، البالغ 2.1 طفل لكل امرأة.
لكن البعض يشككون في "صفاء نية" قادة التكنولوجيا في دعمهم لحركة "المؤيدين للولادة". من بين هؤلاء، الباحث في مجال الدراسات السكانية بيل إستر، الذي يرى أن هذه الدعوة "غير بريئة" وتخلق حالة من الذعر غير الضروري.
يتساءل إستر: "إذا كان قادة صناعة التكنولوجيا يخشون حقا انهيار الحضارة الإنسانية نتيجة لانخفاض عدد السكان، فلماذا يتبنى أغلبهم مواقف معادية للهجرة إلى بلدانهم؟"
وأعرب الباحث لـ "الاقتصادية" عن خشيته من أن قادة صناعة التكنولوجيا يريدون استخدام التكنولوجيا لملء بلدانهم بما يعتقدون أنه "جيناتهم الخارقة" وأن حركتهم تهدف إلى حرف الأنظار عن المشكلة الأكثر إلحاحا في الكوكب، والمتعلقة بالتدهور البيئي.
وبينما يرى "المؤيدون للولادة" أن "الخفة السكانية" هي التحدي الأبرز، يعتقد أنصار البيئة أن الاكتظاظ السكاني قد يؤدي إلى انهيار اقتصادي سريع.
"الطريق الثالث"
يدفع الصراع بين الطرفين ببعض الخبراء إلى طرح "طريق ثالث" للنظر إلى المشكلة.
ويرى الاستشاري السابق في صندوق الأمم المتحدة للسكان الدكتور باتريك والكر أن المشكلة تكمن في عدم التوزيع المتوازن للسكان.
وقال والكر لـ "الاقتصادية": إن عديد من الدول المتقدمة تشهد انكماشًا سكانيا "وسينخفض عدد سكانها بنسبة 50% بنهاية القرن، مثل اليابان وإيطاليا وإسبانيا".
"في المقابل، تشهد مناطق أخرى نموا سكانيا سريعا، أبرزها إفريقيا جنوب الصحراء، وسيتضاعف عدد سكانها 3 مرات خلال هذا القرن، ما يزيد الضغط على الموارد"، بحسب والكر.
وبلغ عدد سكان الأرض في نوفمبر الماضي 8 مليارات نسمة، حيث يضاف 80 مليون شخص كل عام.
وخلص الاستشاري السابق في صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن "الهجرة "وسيلة رائعة لإعادة التوازن السكاني في الكوكب وتعويض انخفاض الخصوبة في البلدان التي تعاني المشكلة".
لكن هذا يرتبط بتحولات ثقافية، وأنظمة دعم اقتصادي، ورؤية سياسية أكثر رحابة في التعامل مع المهاجرين، وفقا لرؤيته.