سندات أم صكوك!

طرحت منظمة المحاسبة والتدقيق للمؤسسات المالية الإسلامية رأي يطمح لتحديد أدق للتفريق بين السندات الصكوك بالرجوع إلى مرجعية شرعية ما أثار جدل واسع لكل من له مصلحة في الاقتراض وإصدار السندات والصكوك أو الاستثمار فيها. المنظمة غير ربحية تأسست في البحرين في 1990 لتكون مرجعية فنية لتقييم وإقرار مدى توافق المنتجات المالية مع الشريعة.
ما زال الرأي في مرحلة الاستشارات، وتسعى المنظمة إلى تطبيقه بعد 3 سنوات لكن نظرا لأهميته بسبب ارتفاع الاقتراض عموما وخاصة من خلال الصكوك رأيت توضيح بعض المعالم. للتوضيح لمن ليس لديه خلفية، الصكوك تماثل السندات كأدوات دين لكنها تختلف في كونها تقوم على الأصول لدى المقترض (مصدر الصكوك) لكن في الأغلب هذا الاعتماد شكلي (غالبا تخضع لتكييف قانوني يتفادى الاستحقاق للتفريق بين الفائدة والأرباح) ما جعل الفرق بين السند والصك محدود، لذلك جاء رأي المنظمة ليصر على ربط اقتصادي قانوني بين الأصول و الصكوك، بالتالي يكون ربح المستثمر يعتمد على أداء الأصول بالتالي يكون المستثمر أقرب للشراكة في أعمال المصدر (المقترض). بالتالي العائد على الصكوك غير ثابت بعكس السندات.

السندات إحدى أدوات الاقتراض وركيزة أساسية لأسواق المال بالتالي منطلق تسعير القروض من حيث ملاءة المقترض ومدة القرض والتوقعات حول التضخم والحالة الاقتصادية عامة من خلال منحنى الفائدة، الصكوك تقليديا جاءت مماثلة لكن بعباءة شرعية غالبا دون اختلاف جوهري عن السندات.
روح الرأي المقترح يغير الطبيعة الأساسية للصكوك من قرض إلى عقد شراكة وبالتالي المشاركة في الربحية، وهذا ما يتماشى مع مظمون الشريعة وليس الشكل فقط. لا أعرف تتطور وتتفاعل الأمور مع الرأي المحاسبي المطروح. لكن هناك أكثر من احتمال أما يتم إقراره وتنقسم المؤسسات المالية وعملائها بين الأخذ به من عدمه، أو يتم التأجيل، أو يؤخذ به للبعض ويترك من قبل البعض خاصة أنه يصعب تطبيقه على الصكوك السيادية بسبب تعقيدات الملكية في بلد آخر، فمثلا ملكية الأراضي والعقارات والأوصول الثابتة في بعض الدول، ولكن حتى للشركات ستكون هناك تعقيدات لم يتعود الوسط المالي والاستثماري على التعامل معها. إذ هناك استحقاقات أخرى في التقييم والتصنيف وتوقعات المستثمرين. لذلك الوسط المالي قد يكون أمام تغيرات نوعية في السياق المالي من خلال نماذج جديدة بين الملكية من خلال المشاركة والقروض.

الحديث عن الاقتصاد الإسلامي ليس جديد والجدل حول الفائدة كسعر للوقت مساءلة قديمة وتعاملت معها الدول الإسلامية بطرق مختلفة وأحيانا إبداعية، لكن غالبا شكلية وهناك كثير من استغل الجدل والاختلافات الفقهية والتنظيمية لتعظيم المصلحة. إشكالية يبدو أنها أسهمت في القصور في تفعيل دور رأس المال في كثير من الدول بدرجات مختلفة، وأحيانا قادت للتلاعب وحتى الغش لأن البعض رأى في استغلال العاطفة فرصة كما حدث في دول كثيرة.
قد يكون هذا الرأي بداية لبيئة مالية أكثر وضوحا أو تأصيلا للتعامل واقعيا مع الشكليات أو الإبداع في تطوير منهجية ونماذج أرى تستطيع التوفيق بين الملكية والاقتراض من ناحية، والوضوح في الطرح من ناحية أخرى. ليس لدي توقع لكن الموضوع جدير بالمتابعة محفز لمراكز الدرسات والمؤسسات المالية والقانونية في تطوير منتجات ترضي جميع المستفدين من ناحية والتفريق بين القرض والمشاركة جوهريا من ناحية أخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي