المعادن النادرة نفط العالم الصلب
اشترط الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على الرئيس الأوكراني زيلنسكي السماح للولايات المتحدة بحرية الوصول إلى مناجم المعادن النادرة الثمنية التي تضمها طبقات أرض أوكرانيا مقابل المساعدات الأمريكية التي حصلت عليها في حربها ضد روسيا. هذه المعادن التي يرى الرئيس الأمريكي أنه يجب أن تكون تعويضاً للمساعدات العسكرية التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي يرى أن قيمتها 300 مليار دولار.
ذهب وزير الخزانة الأمريكي إلى كييف الأسبوع الماضي وقدم عرضاً للرئيس الأوكراني ليس قابلا للتفاوض، يسمح للولايات المتحدة بالحصول على 50% من المعادن النادرة التي تمتلكها أوكرانيا مقابل شراكة اقتصادية بين الدولتين، لم يكن بين بنود العرض المقدم أي ضمانات لحماية أمنية أو مساعدات عسكرية مستقبلية، بل الاستثمار في تطوير واستخراج هذه المعادن وتوفير الفرص الوظيفية، بينما سينعكس هذا الاستثمار في تشكيل رسالة إلى الجانب الروسي مفادها أن استثمارات أمريكية قائمة وشراكة اقتصادية تحدث مع الجانب الأوكراني، وهو ما سيسهم في إيقاف الحرب كما ترى الإدارة الأمريكية.
هذا الحدث يسلط الضوء على الأهمية الإستراتيجية والاقتصادية الكبيرة للمعادن النادرة وهي ما تعتبر الولايات المتحدة تأمينها أولوية قصوى تستمد منها قوتها الاقتصادية والعسكرية، حيث المعادن التي تدخل في صلب المحركات النفاثة والطائرات والصواريخ والسفن الحربية والرقائق الإلكترونية التي تستخدم في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والفضاء والذكاء الاصطناعي وغيرها من التطبيقات.
وحتى نرى الصورة بمشهدها الكامل علينا أن ندرك أن الصين -اللاعب الأقوى في سوق المعادن النادرة- تملك أكثر من 65% من حجم الاحتياطيات العالمية لهذه المعادن، بينما تملك الولايات المتحدة 12% وهو ما يجعل الولايات المتحدة تشعر بقلق كبير حيال سيطرة الصين على المعادن الضرورية لعدد من الصناعات النوعية العسكرية والنووية والإلكترونية والطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية.
تمتلك أوكرانيا 10% من معدن الليثيوم المعدن المهم في صناعة البطاريات ولا سيما بطاريات السيارات الكهربائية ويصل الاحتياطي الأوكراني منه ما يقارب نصف مليون طن، بينما تمتلك الدولة التي تنخرط حاليا في حرب مع جارتها الروسية 22 معدناً نادراً تقع في قائمة المعادن المصنفة ذات أهمية القصوى حسب تصنيف المعادن الأمريكية، الذي يحتوي على 50 معدناً نادراً. تعتقد أوكرانيا أن لديها أكبر احتياطيات الحديد والمنجنيز والتيتانيوم واليورانيوم في القارة الأوروبية أما عالمياً فلديها 30% من احتياطيات العالم من المنجنيز و13% من حديد العالم.
وإن كانت الإحصائيات الأوكرانية غير محدثة نتيجة الحرب التي تدور رحاها على أراضيها في الثلاث سنوات الماضية إلا أن تقديرات الدولة تشير إلى امتلاكها أكثر من ألفي طن من التيتانيوم، وهو ما يعدها من أكبر 10 دول امتلاكا لهذا المعدن. ورغم أن أوكرانيا تشغل أقل من 0.5 من مساحة الكرة الأرضية إلا أنه من المرجح أن تمتلك ما يقارب 15 ترليون دولار من الثروة المعدنية النادرة التي تصل إلى 5% من حجم الاحتياطي العالمي من هذه المعادن.
جزء من تعقيدات المشهد أن جزءا لا يستهان به من الاحتياطيات الأوكرانية من المعادن النادرة يخضع تحت سيطرة الجانب الروسي، ما قد يبرر شراسة الحرب وأهدافها الإستراتيجية والجانب الاقتصادي المحرك لها، هذا في جانبها الجيوسياسي والجغرافي بينما في الجانب الاقتصادي فإن أوكرانيا رغم الإمكانيات التي تتمتع بها فإن جدوى الاستثمار الأمريكي قد يصطدم برياح معاكسة غير متوقعة ليس أقلها العوائد الاستثمارية مقارنة بحجم الاستثمارات المطلوبة في المناجم الأوكرانية والكميات القابلة للاستخراج والقيمة التقديرية لها كما الفترة الزمنية التي تتطلبها هذه الاستثمارت مقابل مؤشر التنافسية العالمية لنفس المعادن.
كل هذه العوامل جديرة بالنظر إليها فضلا عن الحصول على تقديرات دقيقة لحجم ومواقع وإمكانيات هذه المعادن. ومع ذلك فإن ما يجب أن نتفق عليه أن هذه المعادن وخصوصاً المصنفة نادرة منها هي نفط العالم الصلب المقبل، وهي من يرسم مستقبله التكنولوجي ويحدد من يسيطر على عناصر القوة الاقتصادية ويتربع على عرشها عالمياً.