البنك الدولي والطرق الأكثر أماناً في المستقبل

مع اقتراب العالم من منتصف العقد الثاني للأمم المتحدة للعمل من أجل سلامة الطرق (2021-2030)، تتزايد الحاجة الملحّة إلى تكثيف الجهود المبذولة لتحقيق ذلك الهدف الطموح المتمثل في خفض معدل الوفيات والإصابات الخطيرة الناجمة عن الحوادث المرورية على الطرق إلى النصف بحلول عام 2030. ويجسّد هذا الهدف، الذي يندرج ضمن أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (الهدف 3.6)، التزاماً راسخاً من بلدان العالم كافةً بالتصدي لواحدة من أخطر الأزمات التي تواجه الصحة العامة، وتفاديها ومنع حدوثها بتضافر الجهود وتعزيز العمل المشترك، غير أن هذه الأزمة لا تزال مستمرة وتلقي بظلالها المأساوية على المجتمعات. ففي كل عام، تحصد حوادث الطرق أرواح نحو 1.2 مليون شخص، أي ما يعادل نحو 3300 حالة وفاة يومياً؛ ويشكّل الأطفال والشباب الفئة الأكثر تضررًا من هذه المأساة.
ولا شك أن خفض عدد الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق في العالم إلى النصف في غضون 10 سنوات يُعد هدفاً طموحاً للغاية، بل ضرورة ملحّة، إذ إن كل روح تُزهَق على الطرق هي مأساة إنسانية تستوجب منّا جميعاً العمل بلا هوادة وتكاتف الجهود لتحقيق هذا الهدف.
على الرغم من التقدم الملحوظ في العديد من البلدان، فلم يتحقق الهدف المنشود من العقد الأول للأمم المتحدة للعمل من أجل السلامة على الطرق (2011-2020)، لخفض معدل الوفيات والإصابات الخطرة إلى النصف؛ غير أن التجارب المستخلصة والدروس المستفادة من تلك الفترة قد أرست دعائم قوية لتعزيز الجهود المستقبلية.
أما العقد الثاني للعمل من أجل السلامة على الطرق، فإنه يتميز حتى الآن بتطور ملموس في إستراتيجيات السلامة على الطرق، استناداً إلى البيانات والأبحاث ومجموعة واسعة من أفضل الممارسات؛ إلى جانب التقدم التكنولوجي اللافت وظهور ابتكارات تقنية مثل نظام المساعدة الذكية للسرعة؛ وزيادة التمويل المخصص لإجراء تحسينات جوهرية في مجال السلامة على الطرق. ومع ذلك، لا يزال التقدم بطيئاً ومتفاوتاً على نحو يصيب بالإحباط؛ وما زال الطريق أمامنا طويلاً حتى يتسنى تحقيق الأهداف المرجوة؛ وهو ما يتطلب بذل مزيد من الجهود وتكثيف العمل.
يشهد العالم لحظة فارقة في مجال السلامة على الطرق في الوقت الذي تستضيف فيه مراكش بالمغرب المؤتمر الوزاري العالمي الرابع المعني بالسلامة على الطرق، في الفترة من 18 إلى 20 فبراير 2025. وتحت شعار "حياتنا أولويتنا"، سيجمع هذا المؤتمر وزراء النقل، وواضعي السياسات، وقادة المجتمع المدني، وقادة الصناعة لاستعراض وتقييم التقدم المُحرز منذ بداية هذا العقد، إضافة إلى تحديد الأولويات وصياغة الالتزامات الجديدة. وهذا المؤتمر هو أول مؤتمر وزاري بشأن السلامة على الطرق يُعقد في إفريقيا، ما يؤكد الدور المتزايد للقارة في الجهود العالمية المبذولة لرسم ملامح أجندة مستقبل السلامة على الطرق.
يُحرز البنك الدولي تقدماً ملحوظاً في مجال السلامة على الطرق في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، التي تقع فيها 92% من الوفيات الناجمة عن الحوادث المرورية على الطرق، فخلال الفترة من منتصف عام 2013 إلى منتصف 2023، قدّم البنك الدولي حزم مساعدات تمويلية بلغت قيمتها 3.34 مليار دولار لتمويل مشروعات مباشرة لتحسين السلامة على الطرق، ما عاد بالنفع على ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم. وفي غضون 5 سنوات فقط بين منتصف عام 2018 ومنتصف عام 2023، أسهمت مشروعات النقل التي موّلها البنك الدولي في توفير طرق أكثر أماناً لنحو 65 مليون شخص، أي ما يعادل إجمالي سكان جنوب إفريقيا أو المملكة المتحدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي