رقائق "متفجرة" بين بكين وواشنطن
الشيء الوحيد الذي تتفق حوله إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، مع إدارة جو بايدن السابقة، هو كيفية كبح المسار الصيني على صعيد صناعة أشباه الموصلات. لا يوجد أدنى تباين بين الإدارتين حيال ميدان يعد في الولايات المتحدة جزءاً من الأمن القومي، الذي صار أكثر إلحاحاً، في ظل اتساع رقعة الذكاء الاصطناعي، والحاجة الماسة لمنتجات الرقائق المتطورة جداً، على أمل ألا تصل بصورة واسعة إلى الساحة الصينية، التي لا تزال عاجزة في الوصول إلى معدات تصنيع أساسية لإنتاج الرقائق فائقة التطور. المعركة بين واشنطن وبكين في أوجها الآن، بعد أن وضع ترمب خططه ليس فقط فيما يختص بالرقائق، بل فيما يرتبط بالتبادل التجاري بين البلدين، الذي يشكل حجر الزاوية عند الإدارة الأمريكية في معركة مرشحة لأن تتحول إلى حرب تجارية مفتوحة.
اتخذت إدارة بايدن سلسلة من الإجراءات الصارمة حيال الصين، ورفعت حدة هذه الإجراءات في الأسابيع الأخيرة لها في البيت الأبيض. ماذا فعلت؟ فرضت قيودا هائلة على قطاع أشباه الموصلات في البر الصيني، بحيث تم تقييد الصادرات إلى 140 شركة. الهدف الرئيسي في هذا التوجه، هو عرقلة القدرة الصينية في إنتاج رقائق تدخل مباشرة في تطوير الذكاء الاصطناعي.
فالأمريكيون يخشون من استخدام بكين لهذا "الذكاء" في المجالات العسكرية، ما يعد رابطاً قوياً مع الأمن القومي الأمريكي. والتوجه لا يختص فقط بمنع أو تقييد صادرات المعدات التصنيعية الأمريكية للصين التي تستخدم في إنتاج أشباه الموصلات، بل بالضغط القوي على البلدان الحليفة، كاليابان وهولندا (مثلاً) لوقف صادرات هذه المعدات. وقد تم ذلك بالفعل، ما زاد من حجم الضغوطات على هذه الصناعة في الصين في الفترة الماضية.
ترمب يمضي بقوة في هذا الاتجاه، بل وضع قوية أكبر على نوع من الرقائق تنتجها الشركة الأمريكية الشهيرة "إنفيديا"، فلا تستطيع هذه الشركة التصدير للصين دون تراخيص بات من الصعب الحصول عليها. واللافت، أن هذا التقييد يشمل بقية البلدان بأشكال متفاوتة، وليس حكراً على الصين وحدها. أي أنها غدت قيود أمريكية على الجميع. ستبقى بكين الهدف الأول والأكبر لواشنطن في الفترة المقبلة، خصوصاً مع تراجع وارداتها من المعدات المستخدمة في تصنيع الرقائق المتطورة.
فقبل أن تضيق إدارة بايدن الخناق عليهم، تمكن الصينيون في الأشهر الـ7 الأولى من العام الماضي، من استيراد معدات بلغ قيمتها 26 مليار دولار، وقد رفعت من زخم الاستيراد تحوطاً من الخطوات الأمريكية المتسارعة. إلا أنه لا ضمانات حالياً لها بالإبقاء على هذا الزخم في العام الحالي.
رقائق الذاكرة العاملة بالذكاء الاصطناعي، صارت اليوم في خضم معركة بين الأمريكيين والصينيين، ليس من جهة الحصول عليها من عدمه، بل من ناحية الوصول إلى المعدات المصنعة، بالرغم من أن الصين تتمتع بثروات هائلة من الرمال المستخدمة في هذه الصناعة. لكن بكين، تعمل في كل الاتجاهات للوصول إلى المستوى الذي يجنبها الارتهان بالمعدات الأجنبية وخاصة الأوروبية واليابانية منها، حيث يجد حلفاء واشنطن أن التوجه الأمريكي بهذا الخصوص صائب، بل وضروري. والذي يرفع من حدة التوتر، الذي ليس مستبعداً أن يقود لحرب تجارية مفتوحة، أن الرئيس ترمب يتجه بسرعة إلى تقييد مشتريات الصينيين في قطاعات التكنولوجيا والطاقة الأمريكية والقطاعات الإستراتيجية الأخرى.
ستكون هذه الساحة "مشتعلة" في الفترة المقبلة. فالأمريكيون يريدون إعادة توطين عشرات الشركات المصنعة للرقائق والسيطرة عليها محلياً، وفي فترة الرئيس بايدن، تم توفير دعماً مالياً بلغ 52 مليار دولار لهذه الصناعة. ولا شك أن ترمب وإدارته التي لا ترى أفقاً أساساً للعلاقات التجارية والتصنيعية مع الصين، سترفع من حجم قيودها في هذا الميدان باستمرار.