شركات صناعة السيارات الكهربائية في الصين .. من التوسع السريع إلى الإفلاس

شركات صناعة السيارات الكهربائية في الصين .. من التوسع السريع إلى الإفلاس

تبحر صناعة السيارات الكهربائية في الصين في أمواج متلاطمة حاليا، فبعد أن احتلت موقع الصدارة في النمو الاقتصادي والابتكار خلال العقد الأخير، بات عديد من الشركات الناشئة في هذا القطاع اليوم أمام تحديات عدم الاستقرار المالي، والخسائر التشغيلية، والإنفاق الرأسمالي المرتفع.

ويعد فائض الإنتاج أكبر التحديات، حيث تجاوزت قدرات التصنيع حجم الطلب الفعلي.

في نهاية 2023، امتلكت 15 شركة ناشئة قدرة إنتاج خاملة بلغت 3.8 مليون سيارة سنويا، بعدما استثمرت 82 مليار دولار لإنشاء مرافق بطاقة إنتاجية تفوق 10 ملايين مركبة. ومع ذلك، استوعبت الأسواق جزءا محدودا من هذا الإنتاج، ما أدى إلى خسائر ضخمة.

يعتقد الدكتور كالفن لويس، أستاذ الاقتصاد الآسيوي، أن عديدا من هذه الشركات ستفشل، وقال لـ"الاقتصادية": إنه "في ظل تراجع فرص التمويل البنكي، وزيادة الانتكاسات التشغيلية، ومع امتلاك الشركات الناشئة خبرة تشغيلية تقل عن 10 سنوات وحصة سوقية محدودة، تظل أسعارها مرتفعة مقارنة بالسيارات التقليدية".

حرب الأسعار وتراجع الأرباح

دخلت الشركات الصينية في حرب أسعار شرسة، تفاقمت بعد خفض شركة "تسلا" أسعار بعض موديلاتها بنسبة 9%، ما دفع المنافسين الصينيين إلى اتخاذ خطوات مماثلة، ونتيجة لذلك، انخفض متوسط هامش ربح الصناعة إلى 5%، وهو أدنى مستوى منذ عقد.

يرى إم. دي. جونسون، الاستشاري السابق في شركة "فوكسهول" البريطانية، أن أزمة القطاع تعكس تحولا متسرعا نحو الطاقة الخضراء دون استعداد كاف من الأسواق المحلية والدولية.

وقال لـ"الاقتصادية" إن رفع إدارة ترمب الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، إلى جانب توجه الإدارة الجديدة نحو زيادة إنتاج النفط والغاز، سيعزز الطلب على السيارات التقليدية، ما يزيد من صعوبات الشركات الصينية.

تراجع الدعم الحكومي وموجة الإفلاس

يحمل بعض الخبراء التعديلات التي طرأت على السياسات الحكومية مسؤولية تفاقم التحديات التي تواجه الشركات الناشئة، إذ خفضت بكين دعمها لصناعة السيارات الكهربائية بنسبة 66% عن مستويات 2018.

وعلى الرغم من تدخل الحكومات المحلية لدعم الشركات العاملة على أراضيها، فإن هذه الجهود لم تكن كافية لتعويض الضغوط المالية الكبرى، مما أدى إلى موجة من الإفلاس والخروج من السوق.

في 2019، كان هناك نحو 500 منتج للسيارات الكهربائية في الصين، لكن عديدا من هؤلاء المنتجين لم يبدأوا الإنتاج لأسباب مختلفة. وحاليا، هناك 46 منتجا فقط.

وبينما لا يمكن استبعاد دخول شركات جديدة، فإن معظم الشركات باتت أكثر عقلانية تجاه المستقبل، خاصة بعد إفلاس عديد منها خلال العامين الماضيين.

ومن المتوقع استمرار خسائر كثير من تلك الشركات خلال العامين المقبلين بسبب صغر حجمها، وارتفاع التكاليف، والمنافسة الحادة. ورغم امتلاك بعضها احتياطات مالية تكفي لعام أو لعامين، فإن قادة القطاع يدركون أن عددا قليلا من الشركات فقط سينجو من هذه الأزمة.

اندماجات واستحواذات مرتقبة

مع ذلك، يرى المهندس مارتين وايت، الخبير في صناعة السيارات، أن مستقبل الصناعة في الصين ليس خاليا من التفاؤل، لكنه يعتمد مدى الاندماج أو حجم عمليات الاستحواذ المستقبلية.

وقال لـ"الاقتصادية" إن الشركات الكبرى القوية ماليا، خصوصا المدعومة من الدولة، "ستتفوق على المنافسين الأضعف، ولن يكون أمام الشركات الخاسرة سوى القبول بالاندماج أو الاستحواذ، وإلا فسيكون البديل الخروج الكامل من السوق".

"هذا الاتجاه، سيسهم في تبسيط الصناعة وتعزيز الكفاءة والقدرة التنافسية، وسيمكن الشركات الصينية من توسيع آفاقها من الأسواق المحلية إلى الأسواق العالمية، وتحديدا الأوروبية والخليجية، في ظل القيود المتزايدة على المنتجات الصينية في الولايات المتحدة"، بحسب وايت.

الأكثر قراءة