ما أجندة الوظائف في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟

حددت بطاقة قياس الأداء المؤسسي الجديدة للبنك الدولي هدفاً بالغ الأهمية، يتمثل في صنع الملايين من الوظائف بأجر جيد، ولهذا أهمية كبرى للمنطقة، حيث من المتوقع أن يدخل نحو 300 مليون شاب سوق العمل في السنوات الـ25 المقبلة، ويتضح من تجربة المنطقة على مدى السنوات الـ25 الماضية أنه من غير المرجح أن تؤدي الجهود الحالية إلى صنع فرص عمل كافية للأجيال القادمة، وبالتالي هناك حاجة ماسة إلى أجندة جديدة لتوليد فرص العمل.

منذ 2000، نما إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للمنطقة بمعدل سنوي قدره 3.3%، وحتى يتسنى لنا فهم ذلك فيما يتعلق بصنع فرص العمل والتشغيل، يمكننا تحليل نمو إجمالي الناتج المحلي إلى 3 مكونات: أولا، النمو السكاني، ثانيا، نمو معدل المشاركة الاقتصادية، وثالثا، نمو الإنتاجية لكل عامل. ويمثل المكونان الأولان معاً "زيادة عدد الوظائف"، ويمثل المكون الثالث "وظائف أفضل" بأجر أعلى.

وعلى مدى السنوات الـ25 الماضية، أسهم النمو السكاني في المنطقة بنسبة 1.9 نقطة مئوية في نمو إجمالي الناتج المحلي سنوياً ، وبالمقارنة، فمع زيادة عدد السكان في سن العمل بوتيرة أسرع من إجمالي السكان، أضافت الزيادة في معدل المشاركة الاقتصادية 0.4 نقطة مئوية، وزيادة الإنتاجية نقطة مئوية واحدة.

كيف يُقارن هذا الأداء بالاقتصادات الأخرى؟ في 2000، بلغ نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في المنطقة 26% فقط من إجمالي الناتج المحلي للاقتصادات الرائدة على مستوى العالم، ومع الانتقال سريعاً إلى 2023، ما يزال المعدل حول هذا المستوى، وهذا لا يدعو إلى التفاؤل، لأننا كاقتصاديين نتوقع في العادة أن تنمو البلدان الأكثر فقراً بوتيرة أسرع، ما يعكس تأثير التقارب المدفوع بزيادة عوائد الاستثمارات عندما تكون نسب رأس المال إلى العمالة منخفضة في البداية، لكن من الواضح أن الحال لم يكن على هذا الوضع بالنسبة للمنطقة في العقود الأخيرة. والأسوأ من ذلك، أنه مع تغير الديناميكيات الديموغرافية، من المرجح أن تكون السنوات الـ25 المقبلة أكثر صعوبة بالنسبة للمنطقة.

وعلينا أن ننظر أولاً إلى سيناريو "بقاء الأمور على حالها" مع ثبات معدلات المشاركة في القوى العاملة والبطالة، حيث لن يكون معدل المشاركة الاقتصادية مدفوعا إلا بالتغيرات الديموغرافية فقط، وفي هذه الحالة سيكون من المتوقع أن يتراجع نمو السكان في سن العمل في المنطقة قليلا عن نمو السكان بوجه عام على مدى السنوات الـ25 المقبلة، ولذلك، لن يسهم معدل المشاركة الاقتصادية كثيراً في النمو، بل ستكون المساهمة ضئيلة للغاية بحيث تكون لا تذكر. وبالتالي، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يتحقق النمو؟ الإجابة قولاً واحداً من خلال زيادة الإنتاجية. وللوصول إلى المستوى المستهدف لنصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي (نصف الاقتصاد الرائد)، سيتعين أن تنمو الإنتاجية في المنطقة بنسبة 3.8% سنوياً في العقود القادمة.

وتعادل هذه النسبة تقريباً 4 أمثال المعدل التاريخي الذي تحقق على مدى السنوات الـ25 الماضية، ما يضع عبئاً ثقيلاً على أجندة صنع "وظائف أفضل" ذات إنتاجية وأجور أعلى. ومن حسن الحظ أن هذا السيناريو غير الإيجابي ليس الخيار الوحيد، فهناك سيناريو بديل هو "الأجندة الاستباقية لخلق الوظائف"، ولهذا السيناريو هدف مزدوج: أولا، تعزيز معدل المشاركة الاقتصادية، وثانيا، تعزيز الإنتاجية. ومن الملاحظ أن المنطقة تسجل أدنى معدل لمشاركة الإناث في القوى العاملة، وهو 16% على مستوى العالم، وإذا زادت مشاركة الإناث في القوى العاملة في المنطقة تدريجياً وبلغت نسبة مماثلة لمشاركة الرجال 74% بحلول 2050، فإن نسبة التشغيل إلى عدد السكان ستسهم بنقطتين مئويتين في تحقيق مستهدف النمو في المنطقة البالغ 4.9%.

ويمكن للبلدان النامية في المنطقة أن تستفيد من سيناريو "المزيد من الوظائف" و"وظائف أفضل" على نحو متماثل. ومن شأن سد الفجوات بين الجنسين في المشاركة في قوة العمل في هذه البلدان أن يعزز نسبة التشغيل إلى عدد السكان بنحو 1.7% سنوياً، وسيؤدي ذلك إلى تخفيف الضغط على الإنتاجية، التي سيتعين أن تنمو بنسبة 2.1% سنوياً حتى 2050. فعلى سبيل المثال، تتوقع مصر نمواً سكانياً بنسبة 1.3% سنويا في العقود المقبلة.

تجدر الإشارة إلى أن وضع أجندة استباقية لصنع الوظائف أمر بالغ الأهمية لمستقبل المنطقة، فكل بلد بحاجة إلى سياسات مصممة خصيصاً على نحو يلائم سياقه الاقتصادي والديموغرافي الفريد، بعضها يركز على "زيادة فرص العمل" والبعض الآخر على "الوظائف الأفضل"، وهذا المستهدف المزدوج هو المطلوب والمرغوب ويمكن تحقيقه من خلال السياسات الصحيحة.            

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي