تركيز "الفيدرالي" على هدف التضخم عند 2% حافل بالمخاطر
على البنك المركزي الانفتاح على مراجعة مستهدفاته وسط عالم تنتشر فيه الصدمات
يُتوقع على نطاق واسع أن يبقى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماعه المقبل للسياسة النقدية المزمع إقامته الأسبوع المقبل، ما سيحول اهتمام السوق إلى البحث عن إشارات على ما سيحدث لاحقاً. رغم ذلك، فهناك ما يحدث في الكواليس وسيكون له تبعات أكبر بكثير على سلامة الاقتصاد الأمريكي: مراجعة إطار سياسة الاحتياطي الفيدرالي النقدية.
بدأت عملية تقييم تواصل الاحتياطي الفيدرالي، وإستراتيجيته، وأدواته السياسية في العام الماضي، ويُتوقع انتهاؤها في أغسطس المقبل. وتهدف إلى ضمان فاعلية إجراءات وتصريحات البنك المركزي في تحقيق مهمته المزدوجة في الوصول إلى أقصى مستوى ممكن من العمالة، وتحقيق استقرار الأسعار.
اتضح أن عملية مراجعة سابقة أُجريت في 2020 لم يكن لها أهمية كبيرة، إذ طغت أحداث مثل الجائحة العالمية، فضلاً عن التحديات التي جلبها الاحتياطي الفيدرالي على نفسه، على "أهداف وإستراتيجية السياسة النقدية في المدى البعيد". أما هذه المرة، فالصرامة في تحديد أحد معايير المراجعة تهدد بتقييد قدرة البنك على التحرك.
تغير جذري في إطار العمل
يجب أن يتعلم الاحتياطي الفيدرالي من التجارب، إلى جانب اعتبار التغيرات غير المسبوقة عنصراً لا يتجزأ من المشهد الاقتصادي. وإضافة إلى التغيرات الهيكلية الكبيرة الحالية على الصعيد المحلي أو العالمي على حد سواء، يتوقع بعضهم أن تنهي إدارة الرئيس دونالد ترمب النظام الحالي، وتُحدث تغيراً جذرياً في نموذج عمل الشركات، والحكومات، والبنوك المركزية. مع ذلك، أصر الاحتياطي الفيدرالي منذ البداية على أن المسار المحدد لتحقيق استقرار الأسعار "ليس مطروحاً للنقاش"، بحسب تعبير رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول.
يبدو هذا منطقياً للوهلة الأولى، فيشيع الهدف الحالي لخفض معدل التضخم إلى 2% بين عديد من البنوك المركزية، بما فيها بنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي. ومنذ ظهر هذا الهدف للمرة الأولى في تجربة نيوزيلندا لاستهداف معدل التضخم في أوائل التسعينيات، فقد أفاد نظام البنوك المركزية الحديث بشكل كبير. كما أن العشوائية التي تتسم بها طريقة تحديده تمنع وجود نهج تحليلي متفق عليه في تحديد بديل له.
مع ذلك، شهد إطار العمل تغييرات جذرية، أبرزها أن العالم لم يعد عرضة لسلسلة صدمات العرض الإيجابية التي استمرت لعقود، ونتجت عن دخول الصين إلى الاقتصاد العالمي وانهيار الاتحاد السوفييتي. وخلال السنوات القليلة الماضية، واجهت الاقتصادات في جميع أنحاء العالم صدمات عرض سلبية أصبحت أكثر تواتراً وأشد قسوة. وباستشراف المستقبل، فهذا الاتجاه آخذ في التزايد.
هل يكرر الفيدرالي التجربة البريطانية؟
برفض الاحتياطي الفيدرالي تحليل مدى ملاءمة مستهدف 2%، فإنه يجازف بأن يجد نفسه في وضع مشابه لحكومة المملكة المتحدة، إذ استبعد حزب العمال خلال الفترة السابقة للانتخابات التي أُقيمت في يوليو إقرار أي زيادات في ضريبة الدخل وضريبة القيمة المضافة. وقد أدى سوء التقدير إلى حرمان حكومة رئيس الوزراء كير ستارمر من المرونة اللازمة لمواجهة التحديات المالية التي ورثتها بطريقة تدعم نمو الاقتصاد. والحزمة الأولى من القرارات الرئيسية بشأن الموازنة التي اتُخذت في أكتوبر فاقمت العبء على مصدر وحيد للإيرادات، اشتراكات التأمين الوطني. بينما قد تسعى الحزمة الجديدة المقرر إعلانها في وقت لاحق من هذا الشهر إلى إجراء خفض كبير في الإنفاق على الرعاية الاجتماعية.
كما حدث مع الحكومة البريطانية، قد يجد الاحتياطي الفيدرالي نفسه مثقلاً بقيود هدف التضخم الحالي، ويجازف -دون قصد- بمواجهة أضرار جانبية وتداعيات غير متوقعة. وعلى خلاف حكومة المملكة المتحدة، لا يملك البنك المركزي الأدوات التي تكفل له التحرك "بشكل أكبر وأسرع" -كما تعهدت وزيرة الخزانة ريتشل ريفز- والسعي إلى تعزيز النمو بشكل هيكلي عبر الاستثمار في البنية التحتية، وإصلاح عملية التخطيط، وتخفيف القيود التنظيمية؛ فأدوات الاحتياطي الفيدرالي لا تؤثر مباشرةً في الإنتاجية.
اعتراضات على انفتاح "الفيدرالي"
تلقيت اعتراضين رئيسيين على اقتراحي بأنه يجب على الاحتياطي الفيدرالي أن يكون أكثر انفتاحاً تجاه هدفه لمعدل التضخم.
الاعتراض الأول أن تعديل مستهدف التضخم سيضر بمصداقية البنك المركزي في فترة واصل فيها المبالغة في الهدف الحالي لنحو 4 سنوات. ما قد يؤدي إلى اضطراب توقعات التضخم وتقويض فاعلية أدوات السياسة النقدية.
الاعتراض الثاني، أن الاحتياطي الفيدرالي كان مرناً من الناحية العملية إزاء هدفه. وإن لم يكن كذلك، لأجج وضع التضخم الحالي مضاربات السوق واسعة النطاق على موعد الزيادة المقبلة لأسعار الفائدة، وليس الخفض المقبل لها.
كلا الاعتراضين منطقي، لكنهما ليسا حتميين.
فيما يخص المصداقية، فإن الخطر السياسي على استقلالية الاحتياطي الفيدرالي والضرر على الاقتصاد قد يكون أكبر بكثير إذا أفرط البنك المركزي في إجراءات التشديد النقدي التي أعاقت تحقيق أقصى مستوى ممكن من العمالة أكثر من مرة. أما بخصوص تناقض تصريحات الاحتياطي الفيدرالي مع إجراءاته، فلن أتفاجأ إذا كان هذا ما يحدث بالفعل. لكن المشكلة تكمن في أن هذا النهج لن يجدي في المدى الطويل إلا إذا كان جسراً للوصول إلى وضع أكثر استدامة، وأشك في ملاءمة وجدوى هدف التضخم عند 2% في عالمنا الذي يشهد تغييرات هيكلية.
تعديل هدف التضخم
ربما يتفاجأ من عرفوني على مدى مسيرتي الأكاديمية والمهنية من دعوتي الاحتياطي الفيدرالي إلى تقبل احتمال رفع هدف التضخم، بالتحديد في نطاق 0.5 نقطة مئوية بحيث يكون الحد الأدنى أعلى قليلاً من 2%، أي بما يراوح ما بين 2.25% و2.5%. وأتوقع بشدة أن هذا ما سينتهي إليه "تحليل الفرضيات الأساسية" لهدف التضخم الأكثر ملاءمة. ويمكن تطبيق هذا التغيير بطريقة تقلل الاضطرابات المحتملة إلى أقل مستوى ممكن.
الخلاصة بسيطة، ينبغي لأهم بنك مركزي في العالم أن يملك القدرة على العمل بصفته حصناً منيعاً دائماً يحمي استقرار الأسعار والاستقرار المالي، وأداةً لضمان تحقيق أقصى مستوى ممكن من العمالة ورخاء اقتصادي دائم. ويُعد منع أي مراجعة داخلية لهدف التضخم بشكل مسبق ضرباً من الحماقة، فهو لا يهدد بالتأثير السلبي على الوظائف والدخل بلا داع فقط، بل قد يؤدي -دون قصد- إلى تقويض المصداقية المؤسسية للاحتياطي الفيدرالي واستقلاليته السياسية.
خاص بـ"بلومبرغ"