كيفية التعامل مع تقلبات الدورة الاقتصادية
هناك فئتان من المتعاملين في أسواق الأسهم، المضاربون والمستثمرون، لذا يجب البدء دائماً بمعرفة الجمهور المستهدف من التحليل أو النصائح أو القراءات الموجهة للمتعاملين في الأسواق المالية، والنصيحة الثابتة للمستثمرين هي الشراء من أجل الاحتفاظ بالأسهم على المدى الطويل، وبالتالي لا توجد حاجة لمتابعة أسعار الأسهم، كما يقول المستثمر وارين بافيت "إنه يشتري الشركات لا الأسهم". لكن حتى المستثمرين أنفسهم يعملون وفق مساحات زمنية مختلفة، وبالتالي تختلف الإستراتيجيات والسياسات الواجب اتباعها. ومن جهة أخرى هناك المضاربون وهم الأكثر عدداً في الأسواق، ويغلب عليهم الطابع الفردي أو المؤسسي المتخصص في المضاربة، مثل صناع السوق ومن في حكمهم. وفي كل الأحوال، تجب دراسة الدورة الاقتصادية ومدى تأثيرها في حركة الأسهم وبناء إستراتيجيات تداول على أساسها.
النقطة الأولى الواجب إدراكها أن لكل مرحلة أدواتها، وهنا أشير إلى رصد تقوم به المؤسسة المالية العريقة "فيديليتي" للدورة الاقتصادية لعدد من الدول، حيث يمكن بناء إستراتيجيات تتناسب مع المرحلة التي تمر بها الدورة الاقتصادية، فهناك المرحلة المبكرة التي تتميز بتعافي الناتج المحلي وازدياد الطلب على الائتمان المصرفي مع نمو متسارع في الأرباح في ظل سياسة محفزة للبنوك المركزية، ثم المرحلة المتوسطة للنمو الاقتصادي حين يبدأ النمو في بلوغ القمة، مع استمرار الطلب على الائتمان وعدم تدخل البنك المركزي في أسعار الفائدة، ثم تأتي المرحلة الأخيرة من النمو حين تبدأ نسب النمو في الاستقرار وتبدأ ربحية الشركات في التراجعات الخفيفة مع ازدياد مستويات المخزون وتراجع المبيعات، إلى أن تبدأ البنوك المركزية في سحب السيولة لمواجهة مخاطر تزايد التضخم. وأخيراً تأتي مرحلة الركود الاقتصادي التي تتسم بتراجع النشاط الاقتصادي وسط صعوبات في الحصول على الائتمان المصرفي وتراجع واضح في الربحية والمبيعات ومستويات المخزون، ثم تعود الدورة إلى المرحلة المبكرة من النمو مرة أخرى.
في 2024 كان واضحاً أن الاقتصاد الأمريكي يمر في المرحلة الأخيرة من النمو، لكن حالياً هناك تردد – بحسب رصد "فيديليتي" - حيث بدت عليه ملامح المرحلة المتوسطة، ما يعني استمرار التوسع والابتعاد قليلاً عن مرحلة الركود، ويمكن النظر إلى وضع الدورة الاقتصادية في دول أخرى مثل الصين التي تجاوزت المرحلة الأخيرة من النمو ودخلت في مرحلة الركود، وهي الآن على وشك الدخول في المرحلة المبكرة. أما الهند فهي الآن دخلت في المرحلة الأخيرة من النمو، مثلها المكسيك والبرازيل، أما اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا فهي في مرحلة شبيهة بأمريكا، بينما في أوروبا معظم الدول في المرحلة الأخيرة من النمو أو في بداية مرحلة الركود.
إلى جانب قراءة الدورة الاقتصادية وبناء محافظ مالية تتناسب معها، هناك حاجة إلى دراسة القطاعات، حيث إن أسهم شركات كل قطاع اقتصادي تتأثر بشكل مختلف عن غيرها، فمثلاً في المرحلة المبكرة يأتي قطاع التقنية كأول القطاعات المنطلقة، يليه قطاع الصناعات الذي يشمل شركات السلع الرأسمالية والنقل، ويتحرك معه قطاع السلع الاستهلاكية الكمالية مثل محال بيع الأجهزة والتجهيزات المنزلية والمكتبية والحاسبات، ومراكز اللياقة ووكالات السفر والسياحة والفنادق والشركات العاملة في مجالي التعليم والتدريب، والسبب أن هذه الشركات تقدم منتجات وخدمات كمالية تزدهر مع النمو الاقتصادي، وتضعف بوجود الأزمات الاقتصادية.
بشكل عام هناك 5 وسائل استثمارية رئيسية تشكل عصب الأسواق المالية حول العالم، هي الأسهم والسندات والسلع والعملات والعقار، وكل واحدة تؤثر في الأخرى وتتأثر بها، وجميعها تتأثر بالدورة الاقتصادية التي تبلغ مدتها في المتوسط في الولايات المتحدة الأمريكية نحو 5.5 عام، بحسب المركز الوطني الأمريكي للدراسات الاقتصادية. ونجد عادة أنه في نهاية الدورة تنخفض أسعار الأسهم ومعظم السلع، وتبدأ أسعار السندات في الارتفاع، في إشارة إلى تراجع معدلات الفائدة لاحقاً، أي يكون الاستثمار في السندات مجدياً. وبالمناسبة هذا لا يعني بالضرورة شراء السندات بشكل مباشر بل يمكن القيام بذلك بعدة طرق من خلال صناديق السندات المتداولة أو العقود المستقبلية أو المشتقات وغيرها.
من جهة أخرى، في حال الوقوع في ركود اقتصادي هناك القطاعات الدفاعية تأتي كملاذ آمن للمستثمرين، مثل قطاعات الرعاية الصحية وخدمات النفع العام والطاقة والسلع الاستهلاكية الضرورية، حيث تتسم شركات هذه القطاعات بأن نشاطها التجاري لا يتأثر كثيراً بالدورة الاقتصادية، وفي الوقت نفسه معظمها تقدم عائداً دورياً مستقراً على شكل أرباح موزعة، ومتى كان هناك انخفاض في أسعار أسهمها فإن نسبة الربح الموزع تكون جاذبة أكثر.