سمعة المنشآت .. رأس مال غير ملموس
من المنطقي جداً أن منشآت القطاع الخاص تسعى للربحية، ويتنافس كثير منها لتحقيق سمعة أفضل في قطاعاتها لدعم صورتها في القطاع وأمام المجتمع، بيد أن شريحة منها تعجز عن تحقيق ذلك. إن القدرة على إدارة السمعة بمنزلة مُحرّك ناعم لتعظيم القيمة من خلال القدرة على تحقيق قفزات في الأداء المالي والإداري والتنافسي لمختلف القطاعات. وثمة صلة وثيقة بين سمعة المنشآت وربحيتها يؤيدها اقتصاد اليوم، ذلك الاقتصاد المستدام المبتكر الرائد أو حتى الناشئ، فاليوم لم يعد بالإمكان إجراء الفصل بين السمعة والربحية.
ولكن إلى أي مدى تمتلك الشركات أو المؤسسات على اختلاف القطاعات صناعية أو خدمية، حكومية أو خاصة، ذلك الوعي والإمكانيات والكفاءات القادرة على بناء السمعة وإدراتها؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، فإن سؤالاً آخر قد يبدو ملحاً في هذا السياق. ويتمحور حول تأثير السمعة في المنشآت وكيفية اكتساب تلك السمعة، والتحديات التي تواجه المنشآت في سبيل ذلك.
إن السمعة هي رأس المال الحقيقي بالنسبة لمنشآت القطاع الخاص. إنها أساس النجاح، واستدامة التميز، وهي تسهم في صنع صورة ذهنية إيجابية لهذه المؤسسة أو تلك.
تؤكد دراسات كُثر أن السمعة التي تتمتع بها المنشآت تُعد ثروة إستراتيجية ذات قيمة كبرى، وأن السمعة الجيدة عون كبير للمؤسسات في سعيها لتحقيق الأداء المتميز وحفاظها على استدامة هذا الأداء. والحال ينسحب كذلك على الخدمات الحكومية التي تقدمها الوزارات والمؤسسات الحكومية.
ولا غرو أن سمعة المنشأة، وهي التي تعد رأس المال غير الملموس، ليست مرتبطة بعامل أو اثنين، بل إنها تعد نتاجاً لعديد من العمليات الداخلية والخارجية للمنشأة، التي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في سمعتها، ومن ثم ينعكس ذلك عاجلاً أو آجلاً على ربحية المنشآت، وبقائها أو أفضليتها في ميدان المنافسة في عديد من الأحيان.
في تقرير صادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO التابعة للأمم المتحدة لعام 2024 هناك نمو كبير في الاستثمار في الأصول غير الملموسة بوتيرة أسرع 3 مرات في آخر 15 سنة عن الاستثمار في الأصول المادية الأخرى في دول السويد والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وتتبعهم الهند في الارتفاع، كما يحتل الاستثمار غير الملموس حصة متنامية من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصادات العالية الدخل والناشئة.
ويؤكد التقرير أن الأصول غير الملموسة أصبحت محركا متزايد الأهمية في الابتكار والنمو في اقتصاد المعرفة وبصورة تدفع للقول بتغير سياسات النمو للدول القائمة على الابتكار بصعود الأصول غير الملموسة كمحرك وحامل للقيمة في الاقتصاد العالمي خاصة في الدول ذات الدخل المرتفع مثل الولايات المتحدة وأوروبا.
وتبدو أهمية وأثر رأس المال غير الملموس جليّة في دراسة مسحية لشركات في 77 دولة في العالم بعنوان " Intangible Capital Around the World" في أغسطس 2024 التي أكدت أن رأس المال غير الملموس يشكل في الشركات ـ التي أجريت عليها الدراسة ـ أكثر من 50% من القيمة السوقية بما يسمح لها بتحقيق أرباح أعلى وعوائد أكبر على الأسهم التي تملكها المنشأة.
وفي الوقت الحالي أضحت السمعة الرقمية جزءا أصيلا من السمعة العامة للمنشأة، بل مكوناً رئيساً فيها، وهو ما يتطلب معه وعياً أكبر باستحقاقات ذلك، من خلال تفعيل المنظومة الاتصالية داخل المنشأة أولاً، ومن ثم تفعيلها مع المحيط الخارجي المستهدف، ومن ثم فإن الأمر بهذا الشأن ليس حكراً على الإدارة الفعالة لحسابات المنشأة في شبكات التواصل الاجتماعي والرد على التعليقات السلبية بشكل احترافي وما إلى ذلك، بل يتخطاه إلى مراحل أبعد، انطلاقاً من فكر إستراتيجي تنبثق عنه رؤية ممنهجة تنتج سمعة إيجابية وهو ما يسهم في سياق عناصري متعدد بتحقيق مستهدفات المنشأة.
لذا فإنه يمكن التأكد أن بناء السمعة المؤسسية وإدارتها ليس بالمهمة الهينة، بل يتطلب جهوداً متواصلة من قبل المنشأة لضمان جودة منتجاتها، وتبني ممارسات أخلاقية واجتماعية، وإدارة فعالة للأزمات، وتواصل مستمر مع الجمهور، وهذا يلزم أن يكون منوطاً بكفاءات متخصصة خبيرة لديها الوعي الملائم بمستهدفات المنشأة.
إن السمعة الجيدة تعد رأس مال يمكن أن يحدد مصير المنشأة في سوق مليئة بالتحديات والتنافس، وهذا يلزمه قيادة إدارية مدركة لأهمية السمعة المؤسسية، ومدى انعكاس ذلك على مستقبل تلك المنشأة.