الفيدرالي والصندوق والبنك في مرمى النيران
أثناء فترته الرئاسية الأولى، اتبع دونالد ترمب نهجا خفيفا نسبيا في التعامل مع بنك الاحتياطي الفيدرالي، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي. فقد استمال الاحتياطي الفيدرالي بهدف تشجيعه على خفض أسعار الفائدة، لكنه لم يطالب المجلس بـ"توضيح قراراته للبيت الأبيض وإلا فإنه يجازف بتهديد استقلاليته بشكل جدي".
في البنك الدولي، عمل ترمب على تعيين ديفيد مالباس، لكنه عدا ذلك ترك المؤسسة دون مساس. وأبقى على ديفيد ليبتون، وهو مستشار للديمقراطيين، في منصبه كثاني أكبر مسؤول في صندوق النقد الدولي، وهو تعيين كان تقليديا من اختصاص الرؤساء الأمريكيين.
عَـكَـسَ إحجام ترمب عن التحرك ضد الاحتياطي الفيدرالي إدراكه لحقيقة مفادها أن الأسواق المالية ستتفاعل سلبا مع رئيس يعبث بالشؤون النقدية. من الواضح أن ترمب كان مُـهتما بالأسواق المالية، حيث كان يقيس نجاحه علنا وفقا لمسار أسعار الأسهم.
بعد أن أغلق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، سيكون من المخالف للبديهة أن يؤيد ترمب استمرار مشاركة الولايات المتحدة في البنك الدولي، وهي منظمة أكبر حجما في مجال منح المساعدات. والانسحاب من البنك مع البقاء في صندوق النقد الدولي سيكون من ذلك النوع من أنصاف الحلول الغريبة التي يتجنبها ترمب في ولايته الثانية حتى الآن. فمثله كمثل البنك، يدرج صندوق النقد الدولي المرونة المناخية في برامج الإقراض التي يقدمها.
قد يشير صندوق النقد الدولي إلى حقيقة مفادها أنه يدير قرضا ضخما مستحقا للحكومة الأرجنتينية، التي يقودها صديق ترمب، خافيير ميلي. لكن المشروع 2025، الذي يزودنا بخريطة طريق ترمب في ولايته الثانية، لا يخفي رغبة الولايات المتحدة في الانسحاب من مؤسستي بريتون وودز. وقد وقّع ترمب بالفعل أمرا تنفيذيا يكلف وزير خارجيته وسفيره إلى الأمم المتحدة بإجراء مراجعة لجميع "المنظمات الحكومية الدولية" لتحديد المنظمات التي ينبغي للولايات المتحدة أن تنسحب منها.
قد يتعثر البنك والصندوق في غياب المشاركة من جانب الولايات المتحدة. وعلى عكس حالة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لا تستطيع إدارة ترمب تغيير الأقفال أو فصل حسابات الموظفين على البريد الإلكتروني. ولا يستطيع أعوان إيلون ماسك السُذّج الذين تنقصهم الخبرة أن يتخطوا حراس الأمن في أي من المؤسستين.
علاوة على ذلك، تُـعَـد مساهمة الولايات المتحدة النقدية في البنك الدولي صغيرة ــ 2.8 مليار دولار فقط في عام 2024. يمول البنك نفسه بشكل أساسي من خلال إصدار سندات مدعومة بالإيمان والائتمان الكامل من جانب أعضائه.
الحق أن التزامات الولايات المتحدة المالية تجاه صندوق النقد الدولي، من خلال الحصص والترتيبات الجديدة للاقتراض، أكثر ضخامة، في حدود خُمس موارد الصندوق. مرة أخرى، سيكون لزاما على بلدان أخرى أن تزيد جهودها. قد تشمل هذه البلدان الصين، لأن انسحاب الولايات المتحدة من المفترض أن يجعل من الممكن إصلاح الحصص والتصويت في صندوق النقد الدولي، وهو الهدف الذي سعت الصين إلى تحقيقه طويلا وعرقلته الولايات المتحدة مرارا وتكرارا.
سيكون الخاسر الرئيسي في الحالتين الولايات المتحدة ذاتها. فسيُنَظر إلى أمريكا على أنها تحرم البلدان النامية من مساعدات مالية مهمة إذا انسحبت من البنك الدولي. وفي حالة صندوق النقد الدولي، ستفقد الولايات المتحدة قناة للتأثير البنّاء في السياسات الاقتصادية والمالية التي تنتهجها بلدان أخرى. قوة ناعمة أقل في كل مجال.
وسيكون وضع الاحتياطي الفيدرالي أشد سوءا في أقل تقدير. ونحن نشهد بالفعل أولى علامات تجدد التضخم بسبب تعريفات ترمب الجمركية والتخفيضات الضريبية المقترحة.
عند مرحلة ما، أكد القائم بأعمال المدّعي العام في إدارة ترمب، سلطة الرئيس على "مجموعة متنوعة من الوكالات المستقلة". وبوسع رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جاي باول اللجوء إلى المحكمة إذا تحرك الرئيس لإقالته وزملائه أعضاء مجلس الإدارة بإجراءات موجزة.
قد تتفاعل الأسواق المالية بشكل سلبي وعنيف. وعند هذه النقطة، سيتبين لنا بشكل قاطع ما إذا كان ترمب يبالي برأيهم.
خاص بـ "الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2025.