ميلود الشعبي .. نعجة يأكلها ذئب وراء إمبراطورية مالية

ميلود الشعبي .. نعجة يأكلها ذئب وراء إمبراطورية مالية
ميلود الشعبي

كان ميلود الشعبي مطلع ثلاثينات القرن الماضي طفلا صغيرا يرعى غنم الأسرة، في قرية ضواحي مدينة الصويرة المغربية الهادئة - في بيئة شديدة الفقر والعوز حيث كانت البلاد ترزح تحت الحماية الفرنسية - بعدما تلقى تعليما بسيطا في كتّاب (مسجد) القرية، فولوج المدراس زمن الاستعمار كان امتيازا تناله الأسرة الميسورة فقط.

باغت ذئب الخراف في غفلة من الصبي فأكل نعجة، فجلس ميلود يندب حظه السيئ، فاهتدى إلى الرحيل نجاة بجلده من عقاب والده، فاتجه نحو مدينة مراكش القريبة من قريته (180 كيلومترا) للبحث عن العمل، دون أن ينجح ابن الـ14 ربيعا في ذلك.

قرر السفر إلى شمال البلاد عبر القطار، لكن مراقب التذاكر الفرنسي أجبر ميلود على النزول لعدم قدرته على ثمن التذكرة. تدخل رجل ومنح الطفل الذي كان يبكي بحرقة تذكرة سفر صوب مدينة القنيطرة، حيث انطلقت المغامرة نحو بناء إمبراطورية اقتصادية امتدت نحو إفريقيا والوطن العربي.

اشتغل الشعبي عاملا بسيطا في شركة للبناء في ملكية فرنسي، قبل أن يصبح مالك الشركة بعد اقتنائها من مدخراته، بالتعاون مع 3 شركاء آخرين كان هو أصغرهم عام 1948. كانت تلك أولى الخطوات الشاب نحو عالم المال الذي دخله من باب البناء والتشييد والإنعاش العقاري حيث راكم خبرة وتجربة.

حرص الرجل على توسيع دائرة أنشطته التجارية، بروية وحذاقة، فاختار التوجه نحو صناعة السيراميك، مستثمرا ما نسخه من علاقاته في مجال البناء، حيث أطلق شركة "سوبر كريمي" عام 1964، التي استطاعت خلال 4 سنوات اقتحام أسواق خارج المغرب.

نجاح حفز الشعبي على ولوج قطاعات أخرى مستغلا تحولات الاقتصاد المغربي في عقد الثمانينيات، وذلك بتبني خطة تعتمد على الاستحواذ على شركات منافسة (للدولة أو للأجانب)، وتأسيس أخرى جديدة في مجالات شبه محتكرة، فأطلق سلسلة من المتاجر الكبرى باسم "أسواق السلام"، أعبقتها سلسلة فنادق "رياض موغادور" بعدد من المدن المغربية، بما فيها مراكش التي لم تجد عليه بفرصة عمل.

تعدد واجهات التحرك دفعت الرجل إلى تجميع استثماراتها تحت مظلة "يينا القابضة"؛ ومعناها الأم باللغة الأمازيغية، مؤسسا إمبراطورية الشعبي التي تضم 17 علامة تجارية، وتوظف أزيد من 20 ألف شخص، ما جعلها من أقوى الكيانات الاقتصادية في المغرب.

بالموازاة مع عالم البزنس سجل الشعبي حضورا في المشهد السياسي بنيل مقعد في البرلمان ممثلا لمدينة الصويرة، مسقط رأسه، في عدة دورات انتخابية. وقام بتأسيس حزب سياسي باسم "حزب البيئة والتنمية" عام 2002، الذي يقدم فلسفة جديدة في العمل السياسي، تركز على البيئية بوصفها من عوامل التنمية المستدامة.

معاناة الطفولة ونذوب ذاكرة الصبا التي حكاها ذات مرة، "لقد كانت أسرتي تعيش فقر الصومال، حتى إن أخي توفي متأثرا من الجوع. 8 سنوات من الجفاف والعطش عشناه. لقد كنا نموت من الجوع والعطش"، جعل الرجل يلتف مبكرا إلى المجال الإنساني، بإطلاق "مؤسسة ميلود الشعبي للأعمال الاجتماعية والتضامن" المشهورة بدعم تمدرس التلاميذ الفقراء والفئات المعوزة في العالم القروي.

مسيرة استثنائية بعصامية فريدة لم يكن طريقها معبدة لشاب لم يسنده نسب عائلي ولا تعليم عالي، بقدر ما كانت المغامرة والإصرار عنوانها العريض، في أكثر من محطة بدءا من التمسك برحلة السفر دون تذكرة، وانتهاء بالسعي طيلة 20 عاما للاستحواذ على شركة "ديماتيت" الفرنسية متحديا كل العراقيل التي تحول في كل مرة دون إتمام الصفقة.

قصة درامية لأول ملياردير مغربي ناهزت ثورته بحسب فوربس 3 مليارات دولار، جمعت بين الاستقلالية والاستقامة والوطنية العالية مشكلة رحلة نجاح فذة استمد زهاء 6 عقود لرائد من رواد الأعمال الملهمين في المغرب وإفريقيا والعالم العربي، ما كان لها أن تحدث لولا هجوم الذئب على نعاج الصبي ميلود.

 

الأكثر قراءة