البيانات الاقتصادية غامضة تماماً مثل التوقعات
تقلبات البيانات تثير حيرة المستثمرين بشأن اتجاه الاقتصاد الأمريكي المستقبلي
الاقتصاد الأمريكي يعاني اتساع العجز التجاري وضعف إنفاق المستهلكين
تأثير سلبي للشتاء القارس وموسم الإنفلونزا في النشاط الاقتصادي
يبدو أن الاقتصاد الأمريكي يتجه إلى تسجيل أداء مخيب للآمال خلال الربع الحالي من العام. خفض عدد من خبراء الاقتصاد توقعاتهم لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بسبب اتساع العجز التجاري وضعف إنفاق المستهلكين. كما أدت حرب تجارية ملتبسة وتباطؤ الطلب على العمالة إلى زيادة الضبابية بشأن التوقعات لبقية 2025. لكن الخلط بين الأمرين سيكون خطأً.
يرجع كثير من ضعف الأداء في الربع الأول إلى عوامل استثنائية، ومن المتوقع أن يحقق الاقتصاد أداء أفضل بشكل ملحوظ خلال الربع التالي. رغم ذلك، فهذا لا يعني أننا قد تجاوزنا مرحلة الخطر.
في النصف الثاني من العام الحالي، ستظهر مخاطر الركود بوضوح، إذ سيكون هناك تأثير لسياسات التجارة التي ينتهجها البيت الأبيض، بينما يواصل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي اتخاذ موقف متشدد تجاه التضخم في الولايات المتحدة. في ظل هذه الأوضاع، نتوقع تقلبات كبيرة في الأسواق خلال الفترة المقبلة.
ضعف الإنفاق الاستهلاكي
عادة ما يكون النشاط الاقتصادي خلال فصل الشتاء غير مستقر بسبب الطقس وموسم انتشار الإنفلونزا، وقد كان أول شهرين من العام استثنائيا في كلتا الجبهتين.
واجهت منطقة جنوب كاليفورنيا حرائق غابات، بينما اجتاحت عاصفتان شتويتان أجزاء من ولاية تكساس والجنوب الشرقي خلال يناير الماضي، ما أدى إلى تساقط ثلوج غير مسبوقة في نيو أورلينز، وإغلاق المدارس لعدة أيام في منطقة أتلانتا الكبرى (وبصفتي أحد الآباء، فقد خسرنا عطلة نهاية أسبوع بسبب الثلوج، ثم ما يقارب الأسبوع بأكمله خلال عطلة مارتن لوثر كينج الابن بسبب الجليد الذي لم يذب).
ثم جاءت موجة برد قارس في أواخر فبراير الماضي، محطمة الأرقام القياسية لدرجات الحرارة عبر منطقتي السهول والجنوب. إضافة إلى ذلك، شهدنا أسوأ موسم إنفلونزا منذ 15 سنة، ما أجبر عديدا من الأشخاص على البقاء في منازلهم بدلاً من الخروج للتسوق أو تناول الطعام أو السفر.
كما أثرت التخفيضات في الإنفاق الحكومي التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب سلبياً في الاقتصاد الأمريكي. قامت جميع شركات الطيران الأمريكية بخفض توقعاتها لأرباح الربع الأول خلال الشهر الماضي. أشارت شركة "يونايتد إيرلاينز هولدينجز" إلى تراجع في حجوزات السفر الحكومية نتيجة الإجراءات التي اتخذتها إدارة الكفاءة الحكومة بقيادة إيلون ماسك، إلى جانب حالة عدم اليقين بشأن احتمال إغلاق حكومي وشيك.
مؤشرات ضعف الاقتصاد الأمريكي
جاءت مبيعات التجزئة مخيبة للآمال في يناير وفبراير الماضيين. ربما يستمر هذا الضعف خلال مارس إذا أدى التراجع المفاجئ بنسبة 10% لمؤشر"إس آند بي 500" خلال الأسابيع الأخيرة إلى تقليص الإنفاق على السلع الفاخرة، وهو عامل مهم أسهم في دفع النمو الاقتصادي العام الماضي.
كما سجلت الولايات المتحدة الأمريكية عجزاً تجارياً قياسياً خلال يناير الماضي، إذ سارعت الشركات إلى تأمين البضائع من الخارج قبل فرض أي رسوم جمركية محتملة.
في المجمل، من المتوقع أن يكون الاقتصاد قد نما بمعدل سنوي يبلغ 1.4% خلال هذا الربع، وفق توقعات "بلومبرغ"، مقارنة بـ2.3% خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2024. قدمت "بلومبرغ إيكونوميكس" أكثر التوقعات تشاؤماً عند 0.4 %.
من أجل فهم الاتجاه المستقبلي للاقتصاد، يجب التركيز على سوق العمل. يمثل التوازن الحالي بين التوظيف المحدود والاستغناء المحدود عن العمال، الذي استمر منذ منتصف 2023، تحدياً لبعض العمال، لكنه بعيد عن الانهيار.
لا يزال عدد المتقدمين الجدد للحصول على إعانات البطالة عند مستويات منخفضة، بينما ارتفع عدد الأشخاص الذين يواصلون تلقي الإعانات 5.4% على أساس سنوي حتى 8 مارس، ما يشير إلى تدهور طفيف وليس أزمة كبيرة.
تعافي الناتج المحلي الإجمالي
بما أن الاستهلاك يشكل ما يقرب من 70% من الناتج المحلي الإجمالي، فمن المرجح أن يشهد تعافياً في الربع الثاني. اختار الأشخاص عدم الإنفاق في بداية العام بسبب الطقس أو المرض أو مخاوف الأسواق المالية أو سياسات إدارة ترمب، لكن في معظم الحالات، ظلوا يعملون ويتقاضون رواتبهم، ما يعني أنهم قد راكموا مدخرات غير مستغلة في حساباتهم المصرفية.
ارتفع معدل الادخار الشخصي في يناير الماضي إلى أعلى مستوى منذ يونيو الماضي، ومن المرجح أن يكون قد واصل ارتفاعه في فبراير الماضي. بالنظر إلى أن الأمريكيين يميلون إلى إنفاق دخلهم عندما يكونون في وظائف مستقرة، فإن السيناريو المرجح هو تعافي الاستهلاك خلال الفترة المقبلة.
إذا تحقق هذا السيناريو، فسيبدو كأنه انتعاش في نمو الاقتصاد الأمريكي خلال الربع الثاني. لكن من الأدق مقارنة هذا الارتفاع بالتقلبات الكبيرة التي تشهدها بيانات الوظائف بعد الكوارث الطبيعية.
على سبيل المثال، أضاف الاقتصاد 44 ألف وظيفة فقط في أكتوبر الماضي بسبب "إعصار هيلين"، لكنه حقق 261 ألف وظيفة في نوفمبر الماضي مع تعافي ولايات مثل نورث كارولاينا وفلوريدا. تتمثل الطريقة الصحيحة لقراءة مثل هذه البيانات في أخذ متوسط الأداء خلال الشهرين، بدلاً من التركيز على التغير الكبير في شهر واحد.
تحسن الإنفاق الاستهلاكي
على نفس المنوال، من الأفضل احتساب متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي للربعين الأول والثاني، بدلاً من التفاعل المفرط مع أي من الرقمين بشكل منفصل.
حالياً، يشير نموذج الناتج الإجمالي المحلي "جي دي بي ناو" التابع لبنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا إلى أن الاستهلاك أضاف فقط 0.3 نقطة مئوية إلى نمو الربع الأول، وهي أضعف مساهمة منذ الربع الثاني من 2020.
في المقابل، بلغ متوسط مساهمة الاستهلاك في نمو الناتج المحلي الإجمالي الفصلي خلال العامين الماضيين نحو نقطتين مئويتين. بناء على استخدام إطار عمل الكوارث الطبيعية الخاص بي، فإن ارتفاع المساهمة خلال الربع المقبل، بما يدفع النمو السنوي إلى نطاق 3%، يظل احتمالاً قائماً.
من المهم الإشارة إلى أن هذا السيناريو يتماشى تماماً مع اقتصاد وسوق عمل يواصلان التراجع. ما زال هناك غياب لأي إشارات إلى تحسن وتيرة التوظيف، كما أنه لا يوجد سبب للاعتقاد أن القطاعات الحساسة لأسعار الفائدة ستنتعش في المدى القريب، ولا سيما أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ينتظر مزيداً من البيانات قبل اتخاذ أي قرار بتخفيف السياسة النقدية.
المخاطر الهبوطية على الاقتصاد لا تزال قائمة، لكن البيانات التي حصلنا عليها خلال الربع الأول تبالغ في تصوير حجم الضعف الاقتصادي. الواقع يشير إلى أن التباطؤ الاقتصادي لا يزال تدريجياً، لكنه مستمر بثبات.
خاص بـ: "بلومبرغ"