الجيل الجديد .. وثقافة الادخار

ما دفعني لكتابة هذا المقال تلك الخطوة الموفقة والمؤثرة التي اتخذها ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بعد الموافقة الكريمة على رفع الإيقاف عن التصرف بالبيع والشراء والتقسيم والتجزئة وإصدار رخص البناء واعتماد المخططات لما يفوق 81 كيلو متراً مربعاً في شمال مدينة الرياض.. والتوجيه بأن تقوم الهيئة الملكية لمدينة الرياض بالعمل على توفير أراض سكنية مخططة ومطورة في أنحاء المدينة‏ بعدد يتراوح ‏بين 10 آلاف و40 ألف قطعة سنوياً خلال السنوات المقبلة على أن تباع للشباب المتزوجين ‏أو من تتجاوز أعمارهم 25 عامًا وبيعها لهم بسعر لا يتجاوز ‏1500 ريال للمتر المربع، بشرط عدم وجود سابق ملكية عقارية أخرى للمتقدم واستيفاء بقية الضوابط، ومنها: عدم بيعها، أو تأجيرها، أو رهنها، أو التصرف بها بأي شكل من أشكال التصرف خلال 10 سنوات عدا الرهن لأغراض تمويل بناء تلك الأرض وإذا لم يتم البناء خلال هذه المدة يتم استرداد الأرض ويعاد له قيمتها.

ما أجملها من خطوة جاءت في الوقت المناسب لصنع التوازن في السوق العقارية لمدينة الرياض التي تشهد ارتفاعًا غير معقول وفي الوقت نفسه وهو الأهم ‏ينم عن متابعة من ولي العهد لما يواجه الشباب ‏من صعوبات لتأمين ‏سكن مناسب وتكوين أسرة مستقرة.. ‏وتلك المتابعة من ولي العهد تحظى بها أيضاً جميع شرائح المجتمع لكن الشباب وهم يشكلون الشريحة الأكبر من المواطنين يشعرون بهذا الاهتمام في كل شأن من شؤونهم وأتت هذا الخطوة المهمة جداً التي بدونها لا يمكنهم امتلاك أرض مناسبة للسكن بهذا السعر المعقول.

‏ويبقى بعد ذلك الدور على الشاب نفسه ليتمكن من توفير المبالغ اللازمة للبناء، وكذلك توفير الموارد التي تمنحه وأسرته المستقبلية أسباب المعيشة الكريمة وتأمين احتياجاته واسرته بشكل مستدام، الذي أرى أن منطلقه ومداره الأهم هو تأصيل ثقافة الادخار ونشرها بين الجيل الجديد شبابًا وفتيات ويتمثل مفهوم الادخار في اقتطاع نسبة من الدخل الشهري لفترة زمنية ‏قد تصل إلى سنوات لتحقيق أهداف أهم في مقدمتها الزواج وتوفير السكن.

ويعد الادخار الخطوة الأولى للبدء في استثمار خاص ‏وقد يبدو من الصعب أن يدخر الشباب والطلاب بالذات لكن وضع اللبنة الأولى والبذرة في عقولهم وجعل الادخار جزءاً من ثقافتهم وأسلوب حياتهم أمر لا يقبل التأخير، حتى يقوم الشاب بالادخار حينما يكون لديه دخل يفي بالحاجات المعقولة والمحكومة بثقافة الادخار القائم على ترتيب الأولويات ليكون المخصص للادخار واضحاً وذا أولوية على الأوعية التي يرغب الشاب والفتاة صرف دخلهم عليه، يقتطعه بمجرد استلام أي مبلغ، ويوزع ما تبقى على احتياجاته الأساس، وكمالياته مثل السفر أو المطاعم والمقاهي وغير ذلك من المصروفات التكميلية التي لو وفرت لكانت الأساس لمستقبل أكثر استقراراً من الناحية المالية يسهم في راحة الشاب وتكوين الأسرة وامتلاك المسكن وهما الأهم في تحقيق مستقبل نتمناه للجيل الجديد.

ولو عدنا إلى سلوك الآباء والأجداد لوجدنا البركة في مدخراتهم المتواضعة رغم كرمهم وبالمناسبة هذا المقال لا أدعو فيه إلى البخل وإنما إلى الادخار بعد ضبط الإنفاق. ‏وأخيراً: تبقى مسؤولية نشر ثقافة الادخار بين الجيل الجديد في نظري على وزارة التعليم التي من المؤمل أن تدرس إيجاد ‏مادة تسمى (ثقافة الادخار) وتدرّس في الثانوية العامة أو في السنوات الأولى في الجامعات ففي ذلك السن تتشكل طباع الشباب إما مدبر أو مبذر، ووزير التعليم يوسف البنيان، عُرف بالتفاعل مع ما ينشر من أفكار ومقترحات حول نشاط الوزارة كما أن إيجاد أوعية وصناديق ادخار يقع على عاتق المؤسسات المالية الحكومية مثل بنك التنمية الاجتماعي الذي طال انتظارنا لرؤية منتجاته الخاصة بالادخار وهو أحد أهم أنشطته غير المفعلة، وكذلك تحفيز البنك المركزي للبنوك والمصارف التجارية لفتح صناديق مدعومة بنسب تفضيلية للادخار، إضافة إلى شركات التقنيات المالية التابعة لهيئة السوق المالية التي ينتظر منها تقديم مسارات لتشجيع الشباب على الاقتطاع الشهري للادخار والاستثمار معاً، كما أن وسائل الإعلام المختلفة يمكن أن تؤدي دوراً مهماً في نشر ثقافة الادخار عن طريق ما ينشر ويذاع ‏ويُسمع ويُرى وإبراز قصص النجاح والنتائج تقدم بأسلوب ‏جذاب ومقنع للشباب ‏على اختلاف أعمارهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي