اتفاقية التجارة الحرة الخليجية الأوروبية.. ضوء في آخر النفق

تؤدي اتفاقيات التجارة الحرة بين الكتل الاقتصادية حول العالم، دورًا حيويًا في تعزيز النمو الاقتصادي، للدول المنضوية في تلك الكتل، ولعل ذلك هو السبب الرئيسي في تسابق الدول، إما على تشكيل كتل اقتصادية، أو في أقل الأحوال الحرص على الانضمام لها، تبعاً للمعطيات والظروف المحيطة بها.
إن مدى النمو الاقتصادي للدول المشاركة في التكتلات، يكتسب زخمه من خلال زيادة حجم التبادل التجاري بين تلك الكتل، وفتح آفاق أوسع للأسواق فيها، وجذب رؤوس الأموال الأجنبية، ونقل التكنولوجيا وتحفيز الابتكار، وتوفير فرص عمل أكثر، وتعزيز فرص التكامل الاقتصادي، بين الدول المنضوية في تلك الكتل.
وغني عن القول، إن أي دولة تسعى إلى حماية صناعاتها التي تتميز فيها، وزد على ذلك إن كانت تلك الصناعات حساسة بالنسبة لتلك الدول، ولعل أوضح مثال على هذه الإجراءات، التي تتخذها الدول تجاه صناعة أشباه الموصلات، والمعادن النادرة، وكذلك تباين المواقف تجاه أمور تتعلق بحقوق الملكية الفكرية، وقواعد المنشأ، والقوانين العمالية، وتفاوت الرسوم والضرائب، وقدرة الدول على مواءمة متطلبات التجارة الحرة مع قوانينها المحلية، ناهيك عن ضغط جماعات المصالح في تلك الدول، في حال لم تجرِ الأمور بما يحقق مستهدفاتهم.
لهذا، لا غرابة إن تعثرت مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة، بين الاتحاد الأوروبي والسوق المشتركة الجنوبية (ميركوسور) MERCOSUR، زهاء 25 عاماً، إذ بدأت في 1999 وصولًا إلى اتفاق مبدئي في ديسمبر الماضي، واتفاقية "سيتا" CETA بين كندا والاتحاد الأوروبي، التي لم توقع سوى في 2016، أي بعد 17 عامًا من بدء التفاوض بشأنها.
والحال هكذا، فإنه ليس من قبيل الجسارة الادعاء بأن مجلس التعاون، يبذل جهوداً ملموسة لعقد الاتفاقيات الاقتصادية، مع عديد من الكتل والاتحادات القارية والإقليمية، ومنها الاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي، وذلك منذ أكثر من 40 عاماً، وعلى الرغم من عدم تحقيق نتائج تستحق الإشادة، فإن ثمة فرصاً وبوادرَ تعد بمثابة ضوء في آخر النفق، وهو ما يمكن أن يجعل الصورة أكثر إشراقًا في المستقبل القريب.
لقد سعت الاتفاقية الاقتصادية التي وقعتها دول مجلس التعاون فيما بينها في 2001 إلى اتخاذ خطوات متقدمة من التكامل الاقتصادي، وهو ما يحقق لها عديداً من المستهدفات، ومنها تقوية موقفها التفاوضي، وقدرتها التنافسية في الأسواق الدولية.
بيد أنه بعد أكثر من 30 عاماً من المفاوضات بين دول مجلس المجلس والاتحاد الأوروبي فإن تلك المفاوضات لم تؤت تكتمل بعد، فقد استمرت الجولات التفاوضية مراراً، وبدا الأمر في بعض الأحيان كأنما حُلحِلت عُقَده، بيد أن ظلالاً كثيفة ما انفكت تُكسب المشهد ضبابية، حتى قررت دول مجلس التعاون تعليق المفاوضات في ديسمبر 2008، بعدما أعلن عبدالرحمن العطية - أمين عام المجلس وقتذاك - أن الدول الأعضاء في المجلس، قررت تعليق المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول اتفاقية التجارة الحرة، متهماً الأوروبيين بزج أمور سياسية بالاتفاقية.‏
في ذلك الوقت، بدا أن ما يمكن تسميته تدخّل الأوروبيين في قيم الآخرين، طاغيًا بلا مواربة، حتى وإن توارى بمصطلحات مثل حقوق الإنسان وغيرها، وهو ما يعكس غلبة المد اليساري ـ آنذاك ـ في القارة العجوز، ومن ثم فإن التحولات الكبرى في أوروبا، بين دول تعيش وضعًا لا تُحسَد عليه، في ظل توافق موسكو وواشنطن الدراماتيكي والمتسارع في عدد من النقاط، على حساب الأوروبيين، وتنامي الحضور اليميني في أوروبا، وهو ما يمكن النظر له في أقل الأحوال، بأنه يعني التركيز على أمور عديدة، لكن ليس من بينها حشر أنوف ساستهم في قيم المجتمعات الأخرى، يجعلهم جاهزين فعلًا للتوقيع على اتفاقية، تُحقق المبتغى لطرفيها.
وتبعًا لذلك، فإن الوقت الحالي يبدو ملائمًا، لمضي مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي، خطواتٍ فاعلةً نحو الاتفاقيات المشتركة أياً كانت؛ تجارة حرة أو اتفاقيات تفضيلية أو غيرها، مع الاستفادة من خبرات الخليجيين والأوروبيين، التي تراكمت على مدى العقود الماضية في هذا المجال، خاصة في المفاوضات مع رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) ASEAN، و"ميركوسور"، وكذلك المفاوضات الحالية، التي يجريها المجلس مع اليابان والهند وتركيا وإندونيسيا، ناهيك عن الخطوات المتقدمة، التي وصلت إليها المفاوضات مع البريطانيين، بعد 7 جولات تفاوضية منذ مستهل 2022.
ولعل الزخم المتعاظم للتحالفات الاقتصادية حول العالم في الوقت الحالي، يُشكّل رافعة إضافية تسهم في تعزيز حظوظ مجلس التعاون، نحو عقد اتفاقيات تجارة حرة مع الكتل الاقتصادية، ومن بينها الاتحاد الأوروبي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي