الحرب التجارية.. رصاصات لا تصيب في مقتل لكنها أخطر من الموت

الحرب التجارية.. رصاصات لا تصيب في مقتل لكنها أخطر من الموت
"الفرنسية"

بفخر شديد.. يصف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب نفسه بالمدافع عن الولايات المتحدة "لا الغشاشين في التجارة"؛ ويقول إنه يحمي الطبقة المتوسطة من العمال "لا المتعهدين... أو الطبقة السياسية".

في لحن القول، يشير سيد البيت الأبيض - الذي تعهد بأن يجعل "أمريكا عظيمة من جديد" - إلى سعيه لاستعادة مكانة الولايات المتحدة في عالم الصناعة وإعادة المصنّعين إلى الوطن. الهدف.. تقليص العجز في ميزان التجارة وتشغيل المواطنين.

لكن ذلك الهدف، الذي من أجله أيد كثيرٌ من الناخبين ترمب وأعادوه إلى المكتب البيضاوي بعد 4 سنوات فقط من الرحيل، كانت بوابة الوصول الوحيدة إليه -من وجهة نظر الرئيس الأمريكي- هي الرسوم الجمركية.

هدد وتوعد، ثم نفّذ بعض تهديداته قبل أن يتراجع؛ وأخيرا فعلها.. في الثاني من أبريل الجاري، فرض ترمب رسوما جمركية بنسب متفاوتة على واردات بلاده من دول العالم. لكنه اختص دولا بعينها برسوم أعلى، وفي مقدمتها الصين، التي ردت بالمثل.

سلسلة الرد والرد المضاد هذه أوصلت نسبة الرسوم الجمركية الأمريكية على الصين إلى 104%. وردت بكين على الزيادة الأخيرة بفرض رسوم نسبتها 84% على وارداتها من الولايات المتحدة.

توسعت المعركة شيئا فشيئا إذا!، حتى بدت اليوم بملامح حرب تجارية واضحة، قد لا يخرج منها أحد فائزا عظيما، ولا حتى الولايات المتحدة، التي وضع رئيسها يده على الزناد وأطلق رصاصتها الأولى صوب قلب عالم التجارة النابض، دون أن يصيبه في مقتل.

أخطر من الموت

قد تكون رصاصة تخطئ هدفها أخطر من التي تقتل؛ يحسب الأمر نفسه على هذه الحرب التجارية، التي تنطوي على مخاطر جمة تحدق بنظام التجارة العالمية، وقد تفضي إلى مستويات تضخم غير مسبوقة، ومن ثم ركود تضخمي رهيب.

فالمارد الصيني يأبى أن يرضخ، وترمب العنيد يبدو متمسكا بموقفه، حتى لو ناشده مقرّب إليه مثل الملياردير الأمريكي إيلون ماسك إلغاء الرسوم الجمركية الشاملة وتغيير سياسته التي هزت الأسواق وأثارت انتقادات من قادة الأعمال، وأفقدت أثرى أثرياء العالم نحو 135 مليار دولار من ثروته منذ بداية العام.

وبينما تدرك الصين أنه لا أحد سيخرج رابحا في الحرب التجارية، فإنها قالت عبر وزارة التجارة إن بكين "ستناضل حتى النهاية" بما تملكه من أدوات "إذا كان الجانب الأمريكي عازما على السير في الطريق الخطأ"، وإن إجراءات مضادة ستتخذ "لحماية حقوقها ومصالحها".

ترى الصين أن الرسوم الجمركية التي تستهدف صادراتها "لا أساس لها، وممارسة نموذجية للتنمر أحادي الجانب" من طرف الولايات المتحدة، بينما قال المتحدث باسم وزارة التجارة إن الإجراءات المضادة التي اتخذتها بكين "مشروعة تماما وتهدف إلى حماية سيادتها وأمنها ومصالحها التنموية، وكذلك الحفاظ على نظام تجاري دولي طبيعي".

يعني هذا أن الحرب التجارية قد تطول، حتى تأخد تقلبات الأسواق العالمية وخسائرها الفادحة إلى وجهة أكثر إيلاما لاقتصادات الدول واستنزافا لجيوب مواطنيها، دون أن يعلم أحد كم من الوقت ستستغرقه تلك الرحلة للوصول إلى نهاية ستناضل الصين حتى بلوغها، وكيف ستكون ملامح تلك النهاية.

بعد يومين فقط من إعلان ترمب عن الرسوم الجمركية الشاملة، كان المليارديرات المدرجون على قائمة الثروات قد خسروا نحو 500 مليار دولار. وواصلت الأسواق العالمية بعد ذلك نزيف الخسائر، حتى تخضبت باللون الأحمر كميدان حرب ضروس في معركة حامية الوطيس.

لا نريدها.. لكن نخوضها

بينما يدفع طرفا هذه الحرب التجارية بأن كلا منهما غير راغب في خوضها، فإن واقع الحال يظهر انسياقا وراء قرع طبولها.

يؤكد ترمب في كل مناسبة أن هدفه من الرسوم الجمركية هو ضبط الميزان التجاري مع دول العالم، ومن بينها الصين، التي حققت فائضاً مع الولايات المتحدة بلغ 295 مليار دولار العام الماضي.

في الوقت ذاته، تؤكد الصين أن لا أحد سيخرج فائزا من الحرب التجارية وأن "الحمائية لا تؤدي إلى أي مكان". وقال المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية إن بكين تحث الولايات المتحدة على "تصحيح أخطائها" على الفور وإلغاء جميع إجراءات الرسوم الجمركية الأحادية الجانب ضد الصين.

إذا صح زعم كل من الجانبين، فإن الحرب تبدو في طريق غير معبّد ولا مخطط له.. لكنها على أي حال ماضية في هذا الطريق حتى إشعار آخر.

الأكثر قراءة