ينبغي للفيدرالي مقاومة تكرار أخطاء الماضي
كبح البطالة والتضخم في الولايات المتحدة ليس سهلاً ما يعقد مهمة الاحتياطي الفيدرالي
الاقتصاد الأمريكي يدخل حالة من عدم اليقين بسبب تداعيات الرسوم الجمركية
مضاربو الأسواق يتوقعون 4 تخفيضات للفائدة رغم صعود التضخم في الولايات المتحدة
تعامل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بتواضع مسألة ضرورية لتجنب فخ الركود التضخمي
من السهل أن يظن المرء أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بقيادة جيروم باول كان من بين أكثر المجالس حظاً عاثراً في التاريخ الحديث. واجه البنك المركزي الأمريكي أزمات خارجية كبرى، واحدة تلو الأخرى، بداية من وباء 2020 وما تبعه من فوضى، وصولاً إلى التقلبات الاقتصادية والمالية الحالية الناجمة عن الرسوم الجمركية.
كثيراً ما دخل باول في صدام مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وخسر عدداً من المسؤولين البارزين بسبب مزاعم التورط في التداول من الداخل، كما تعرض لتآكل في مصداقية المؤسسة بعد تقدير خاطئ خلال 2021 مفاده أن التضخم في الولايات المتحدة كان مؤقتاً، إلى جانب مشكلات أخرى.
أداء الاقتصاد الأمريكي
لكن ما فاقم حالة سوء الحظ وجعل تبعاتها أكثر ضرراً على مستوى الأداء الاقتصادي العام هو تزامنها مع نقاط ضعف من صنع البلاد نفسها. على عكس ما حدث في عهود مجالس سابقة لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، امتدت تلك الثغرات إلى التحليل والتوقعات والتواصل وردود الأفعال السياسية، وهي أخطاء متكررة تفاقمت بفعل الغياب الواضح للتواضع والتعلم من الأخطاء السابقة.
والنتيجة هي بنك احتياطي فيدرالي أمريكي بات استقلاله السياسي ومصداقيته في الأسواق في أضعف حالاته منذ أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي. هذه أخبار سيئة لبنك مركزي سيضطر خلال الأشهر المقبلة إلى اتخاذ قرارات سياسة نقدية بالغة الصعوبة، كما أنها أخبار سيئة لأكبر اقتصاد في العالم الذي فقد ركائز أخرى، ويعيش حالة من الاضطراب في قلب النظام الاقتصادي والمالي العالمي.
العلامة الأحدث على الحظ العاثر لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تمثلت في اندفاع كبرى مؤسسات وول ستريت إلى مراجعة توقعاتها للاقتصاد الأمريكي. خفضت هذه المؤسسات، واحدة تلو الأخرى، تقديراتها للنمو، ورفعت توقعاتها للتضخم في الولايات المتحدة، وأصدرت تحذيرات من أن ميزان المخاطر الاقتصادية ما زال سلبياً، حتى بعد تلك التعديلات.
سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي
تجلت معضلة السياسة النقدية التي يواجهها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أثناء سعيه لتحقيق هدفه المزدوج بوضوح في مراجعات "جيه بي مورجان تشيس آند كو"، التي رفعت معدل البطالة في الولايات المتحدة المتوقع إلى 5.3%، والتضخم في الولايات المتحدة إلى 4.4%، أي زيادة سلبية بمقدار 1.4 نقطة مئوية.
وفي حين تعامل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خلال إدارة ترمب الأولى مع آثار الرسوم الجمركية المفروضة على شركاء التجارة الأمريكيين، فإن هذه الجولة الجديدة تُعد أكثر تعقيداً بطريقة ملحوظة.
تشمل هذه الجولة رسوماً إضافية أوسع نطاقاً، وقد تؤدي إلى طيف واسع من ردود الفعل المحتملة من جانب الشركاء التجاريين، كما أنها تضع الشركات أمام شبكة معقدة ومتغيرة من حالات عدم اليقين المتعلقة بالعرض والطلب.
بالمثل، بينما كان رد الفعل المطلوب من بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي واضحاً عندما فرض الوباء توقفاً مفاجئاً على النشاط الاقتصادي، وعلى عكس ما حدث لاحقاً عندما أدت القراءة الخاطئة في البداية لطبيعة التضخم في الولايات المتحدة إلى وضوح تام بشأن ما يجب فعله على صعيد أسعار الفائدة، فإن عملية صنع قرار السياسة النقدية في الوقت الراهن مليئة بالتقلبات والمخاطر.
وقد بدأت إدارة هذه التحديات على نحو مقلق عندما سارع جيروم باول، خلال مؤتمره الصحفي في مارس، إلى التقليل من أهمية البيانات الاقتصادية غير الرسمية الضعيفة وتجاهل مضمونها، ثم أعاد استخدام مصطلح "مؤقت" لوصف التأثير التضخمي للرسوم الجمركية. ولحسن الحظ، تراجع باول عن كلتا العبارتين الأسبوع الماضي، بدلاً من الانتظار عدة أشهر كما فعل في عام 2021.
البطالة والتضخم في الولايات المتحدة
في الوقت الحالي، ينبغي لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أن يحدد ما إذا كان ينبغي له الاستجابة لاحتمال ارتفاع معدلات البطالة في الولايات المتحدة من خلال خفض أسعار الفائدة بصورة كبيرة، أم الاستجابة لتسارع التضخم في الولايات المتحدة من خلال تثبيت سعر الفائدة أو حتى فتح الباب أمام احتمال زيادتها.
أما المضاربون في السوق، فقد سارعوا إلى تداولات تضع في الحسبان أكثر من 4 تخفيضات لأسعار الفائدة خلال العام الحالي، بل إن بعضهم دعا إلى خفض طارئ خلال الفترة بين الاجتماعات.
ولا ينبغي أن تكون ردة فعل المتداولين والمستثمرين مفاجئة. فهي تعكس نمطاً تكرر كثيراً في السنوات الماضية، حيث اعتادوا من بنك الاحتياطي الفيدرالي أن ييسر السياسات المالية بمجرد ظهور مؤشرات على تقلبات سوقية غير معتادة أو ضعف اقتصادي. ومن خلال النظر إلى سوابقه، فإن هذا هو تحديداً السلوك الذي يُرجح أن ينجرف إليه بنك الاحتياطي مرة أخرى.
رغم ذلك، فإن ارتفاع التضخم المتوقع يجعل مثل هذا التوجه محفوفاً بالمخاطر، بل قد يكون خطيراً بالفعل.
بعد فشل الفيدرالي في خفض التضخم في الولايات المتحدة إلى مستواه المستهدف، الذي كثيراً ما أكده، بعد مرور 3 سنوات على تجاوز معدل الزيادة السنوية في أسعار المستهلكين 9%، بات يواجه خطر تضخم طويل الأمد يمكن أن يقوض سريعاً جهوده الرامية إلى مواجهة احتمالات ارتفاع البطالة في الولايات المتحدة.
إضافة إلى ذلك، تشير الدروس المستخلصة من تاريخ البنوك المركزية إلى أنه عندما يواجه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ضغوطاً على كلا جانبي مهمته المزدوجة، فعليه أن يُعطي الأولوية لإعادة التضخم إلى مساره الصحيح وكبحه من جديد.
خفض أسعار الفائدة
تبرز هذه النقطة بشكل خاص في الوضع الراهن، حيث تبدو حساسية البطالة في الولايات المتحدة تجاه أسعار الفائدة ضئيلة مقارنة بحالة عدم اليقين التي يشعر بها كل من الشركات والأسر، نتيجة لطريقة تصميم وتنفيذ وتوصيل سياسة الرسوم الجمركية.
في هذا السياق، قال إيريك روزنجرين، الرئيس السابق لبنك الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن، خلال مقابلة على تلفزيون "بلومبرغ" الأسبوع الماضي، "إن مسألة خفض أسعار الفائدة يجب التعامل معها ببطء وتدريجياً وعلى استحياء".
ما يحتاج إليه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أكثر من أي وقت مضى هو قدر عالٍ من التواضع، وهو الأمر الذي افتقر إليه في السنوات الأخيرة، ما أضر به وبالاقتصاد على حد سواء.
مثل هذا التواضع من شأنه أن يُسهم في تقليص مخاطر تكرار نوبة زلات التحليل والتوقعات والتواصل وتصميم السياسات. كما يمكن أن يساعد أيضاً على مواجهة تهديد الدخول في مرحلة مطولة ومدمرة من الركود التضخمي.
خاص بـ "بلومبرغ"