جاذبية وديناميكية سوق العمل السعودية

تشهد السعودية تحولات في سوق العمل، حيث كشفت نشرة سوق العمل للربع الرابع من 2024 عن إنجازات تاريخية تعكس أرقاما تاريخية تحدث لأول مرة، مثل انخفاض معدل البطالة بين السعوديين إلى %7 وهو أدنى مستوى تاريخي، وزيادة المشاركة الاقتصادية للمواطنين إلى 51.1 %، سنجد أنها تعود إلى فاعلية سياسات سوق العمل الاقتصادية والتنظيمية، حيث عملت على تحسين بيئة العمل بشكل ملحوظ من خلال تطوير سياسات تهدف إلى خفض البطالة وزيادة مساهمة المواطنين في القوى العاملة.

لعبت حزمة المبادرات التي أطلقتها الموارد البشرية دوراً محورياً في تحقيق هذا التقدم، حيث ركزت على برامج التدريب والتأهيل، وتعزيز دور القطاع الخاص، إلى جانب تشريعات داعمة أسهمت في تحسين بيئة التوظيف، ويتجلى أثر ذلك في ارتفاع معدل المشتغلين بين السعوديين إلى 47.5% هذا التوازن بين العرض والطلب في سوق العمل يعزز من الإنتاجية الشاملة للقوى البشرية.

كما شهدت مشاركة المرأة في القوى العاملة طفرة ملحوظة، حيث بلغت نسبتها %36 مصحوبة بانخفاض معدل البطالة بين النساء إلى 11.9%، يعكس هذا التحول تطوراً اقتصادياً ينسجم مع نظرية رأس المال البشري، التي طورتها مدرسة شيكاغو الاقتصادية، التي ترى أن الاستثمار في التعليم والتدريب يعزز ويدعم الإنتاجية الفردية، وبالتالي ينعكس في الناتج المحلي، وهذا التقدم لا يقتصر على زيادة المشاركة فحسب، بل يبرز قدرة السوق على التكيف مع الإصلاحات الاقتصادية.

وفي الإطار ذاته، أسهمت مبادرات أتمتة الخدمات وتطوير التشريعات العمالية بدور حسام في تطوير سوق العمل؛ فقد أسهمت الأتمتة في تبسيط الإجراءات الإدارية وتسريع عمليات التوظيف، ما جعل الوصول إلى الوظائف أكثر يسرًا وسلاسة لجميع فئات المجتمع، فضلاً مساهمتها الكبيرة في تقليل تكاليف المعاملات Transaction cost وهو ما انعكس أيجاباً على كفاءة السوق.

علاوة على ما سبق، منحت التشريعات العمالية المحدثة مزيدًا من المرونة للسوق من خلال تحسين ظروف العمل، كتقليص ساعات العمل الإلزامية في بعض القطاعات وتوفير خيارات العمل من بُعد، ما جعل بيئة العمل أكثر جاذبية للمواهب الوطنية من الجنسين، ولهذه التحسينات أثر في رفع فاعلية سوق العمل وزيادة قدرتها على استيعاب الكفاءات المحلية بطريقة مرنة وتعكس استجابة عقلانية لتحسين تخصيص الموارد البشرية، ليس فقط في الظروف الاقتصادية المستقرة، بل أيضاً وسط التحولات القطاعية المؤقتة أو الدائمة، ما يجعل أنظمة سوق العمل جاهزة للدورات الاقتصادية وأكثر استعدادية للقرارات التنظيمية.

في الختام، يمكن القول إن سوق العمل السعودية قد شهدت تحولاً سلساً من مرحلة معالجة التحديات الهيكلية إلى استغلال الفرص الاقتصادية المتاحة، متماشية مع مبادئ الاقتصاد الكينزي الممزوج برؤية السوق الحرة، متكيفة مع ديناميكية الإصلاحات الاقتصادية لرؤية السعودية 2030، والاستفادة من الإنفاق الحكومي واستقرار السياسة النقدية، اللذين يدعمان نمو وظائف القطاع الخاص.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي