مسؤول في الجامعة العربية لـ"الاقتصادية": التكامل الرد الإستراتيجي على الحمائية
تعمل الأمانة العامة لجامعة الدول العربية على تسريع خطوات التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء عبر مسارات رئيسية، أبرزها الاتحاد الجمركي العربي والسوق العربية المشتركة، وذلك في مواجهة المتغيرات الاقتصادية العالمية الناتجة عن السياسات الحمائية التجارية، وفقا لما صرح به مسؤول في الجامعة.
السفير علي المالكي، الأمين العام المساعد ورئيس قطاع الشؤون الاقتصادية في جامعة الدول العربية، أكد لـ "الاقتصادية" أن التكامل العربي هو السبيل الأمثل للتعاطي مع السياسات الحمائية والرد الإستراتيجي عليها.
أثر غير مباشر
في طياته، يحمل التصعيد المتزايد للسياسات الحمائية من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، وقرارها الأخير بزيادة الرسوم الجمركية على مجموعة واسعة من الواردات، تداعيات غير مباشرة على الاقتصادات العربية، في ظل الترابط العميق بين الأسواق العربية والعالمية، بحسب المالكي.
وقال المسؤول العربي: إن "التهديد الحقيقي قد لا يكون ناتجا بشكل مباشر عن الرسوم المفروضة على الدول العربية، بل من التداعيات العالمية التي قد تؤثر في الشركاء التجاريين الأساسيين للعالم العربي، وفي استقرار سلاسل الإمداد العالمية".
شدد السفير المالكي في هذا الإطار على أن التهديد الاقتصادي لم يعد مقتصرا على حدود دولة بعينها، بل أصبح بطبيعته عابرا للحدود، نظرا للتشابك القائم في سلاسل التوريد العالمية، وهو ما يعني أن أي أزمة أو قرارات اقتصادية قوية بحجم القرارات الأمريكية، يمكن أن تتردد أصداؤها في أنحاء العالم، بما في ذلك الدول العربية.
وبينما أوضح الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية أن تأثير هذه السياسات الحمائية يختلف بين دولة وأخرى بحسب قوة اقتصادها ومدى ارتباطها بالسوق الأمريكية، فقد شدد على أن مسارات التكامل الاقتصادي العربي "يجب أن تتحول من مشاريع مؤجلة إلى أدوات عملية لمواجهة التحديات الخارجية".
"توجهات عميقة" وفرصة تاريخية
يرى المالكي أن السياسات الحمائية التي تتبناها الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة تمثل أحد أبرز مظاهر التحول في المشهد الاقتصادي العالمي.
وقال إن هذه السياسات ليست مجرد قرارات تجارية عابرة، بل تبرز "توجهات عميقة" نحو إعادة صياغة قواعد التجارة الدولية، بصورة قد تُحدث تغييرا جوهريا في مسارات الاقتصاد العالمي لعقود قادمة.
وبينما أشار المسؤول البارز إلى أن هذا الواقع الجديد يحمل في ظاهره تهديدا لعدد من الاقتصادات، فقد أكد أنه ينطوي في الوقت ذاته على "فرصة تاريخية" للدول العربية لإعادة توجيه مسارها الاقتصادي، بما يضمن بناء استقلال اقتصادي حقيقي وتحرير القرار التنموي العربي من الاعتماد على أي سوق خارجية قد تتحول في لحظة إلى مصدر ضغط أو تهديد.
غير أنه شدد على أن استجابة الدول العربية لا يمكن أن تكون فردية أو متفرقة، بل يجب أن تكون جماعية، قائمة على تنسيق وثيق بين الدول، ضمن منظومة اقتصادية عربية قادرة على المناورة بذكاء ضمن النظام التجاري العالمي وتوظيف أدواتها السياسية والاقتصادية لخدمة مصالحها الحيوية.
العالم العربي قادر
ليست المنطقة العربية عاجزة عن التعاطي مع هذه السياسات الحمائية؛ فهي، وفقا لما صرح به المالكي، تملك من المقومات والإمكانات ما يخوّلها تأدية دور مؤثر في النظام التجاري العالمي، إذا ما استثمرت بفاعلية وبشكل جماعي مواردها وقدراتها، وعلى رأسها الموارد الطبيعية الضخمة، والموقع الجغرافي الإستراتيجي، والقوى البشرية الشابة.
لكن التحولات الاقتصادية الجارية تفرض على الحكومات العربية أن تنظر إلى التحديات بعين الفرصة، بحسب الأمين العام المساعد، وأن تبادر إلى استثمار هذه اللحظة لإعادة بناء الإنتاج الوطني على نحو يحد من الاعتماد على الخارج، وتحقيق الأمن الاقتصادي والغذائي والصناعي، وتعزيز قدرة الاقتصادات العربية على التفاوض من موقع قوة.
ويرى السفير المالكي أن هذه التطورات تمثل فرصة لإعادة صياغة النموذج الاقتصادي العربي على أسس أكثر استدامة، ترتكز على التنويع الاقتصادي وتعزيز الصناعة المحلية وتوسيع قاعدة التصدير نحو أسواق جديدة، خاصة في آسيا وإفريقيا.
متابعة وثيقة
أوضح مساعد الأمين العام أن جامعة الدول العربية تتابع عن كثب هذه المتغيرات الدولية، وتعمل في هذا الإطار عبر قطاع الشؤون الاقتصادية ومنظمات العمل العربي المشترك على إعداد دراسات متخصصة وأوراق سياسات تحليلية، تستند إلى بيانات دقيقة ومؤشرات واضحة.
تهدف هذه الدراسات إلى دعم صانع القرار العربي بالرؤية المتكاملة والمعلومة الدقيقة، بما يُمكن الحكومات من صياغة سياسات اقتصادية فاعلة، قادرة على احتواء تداعيات الأزمات، وتحويلها إلى فرص تنموية واعدة.
وبيّن المالكي أن هذه الدراسات تغطي القطاعات الاقتصادية المختلفة، وتشمل تحليلا معمقا للتحديات الراهنة، وتقديما لسيناريوهات محتملة واستجابات مقترحة، بما يسهم في رسم خريطة طريق واقعية ومرنة للاستجابة الجماعية العربية.
وستكون القمة التنموية الاقتصادية والاجتماعية العربية، المقرر عقدها في بغداد خلال مايو المقبل، فرصة مهمة لحشد الرؤى العربية وتنسيق المواقف وتوحيد الجهود، ووضع أسس جديدة للعمل الاقتصادي العربي المشترك، بما يواكب التغيرات المتسارعة في الاقتصاد العالمي، وفقا لما قاله المالكي.
وأكد الأمين العام المساعد أن هذه القمة يجب أن تكون "نقطة انطلاق جديدة" نحو ترسيخ مفاهيم السيادة الاقتصادية، وتحقيق الاستقلال الإنتاجي، وتعزيز الأمن الاقتصادي العربي في مواجهة أي سياسات حمائية أو اضطرابات تجارية محتملة.
وستكون قدرة الدول العربية على التكيف والتوحد مفتاحا لتجاوز التحديات، وتحقيق تنمية مستدامة تنبع من الداخل وتخدم مصالح الشعوب العربية كافة، بحسب المالكي.