لماذا لا تستخدم الصين حيازتها من السندات الأمريكية كسلاح؟

الصين ثاني أكبر دائن أجنبي للولايات المتحدة ويمكنها إثارة الفوضى في سوق السندات الأمريكية

  • عائدات السندات الأمريكية لأجل 10 سنوات تقفز 50 نقطة أساس خلال أسبوع واحد
  • وزارة الخزانة الأمريكية تحتاج لإصدار سندات بتريليوني دولار وإعادة تمويل 8 تريليونات
  • تراجع هيمنة الدولار الأمريكي على عملات الاحتياطيات العالمية وسط توجه عالمي نحو الذهب

انتهت الصين من الرد على الرسوم الجمركية الباهظة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، واعتبرت تحركات الإدارة بأنها "مزحة" لم تعد ترى أن من المجدي الرد عليها بالمثل. والسؤال المطروح الآن هو: هل سيجد الرئيس الصيني شي جين بينغ سلاحاً أكثر فاعلية للرد على خصمه؟ جددت بكين، الجمعة الماضية، تعهدها بـ"القتال حتى النهاية". إحدى الأوراق الخطيرة التي تملكها الصين تتمثل في حيازتها لسندات الخزانة الأمريكية، التي تبلغ قيمتها 760 مليار دولار.
تُعد الصين ثاني أكبر دائن أجنبي للولايات المتحدة الأمريكية بعد اليابان.
شهد الأسبوع الماضي قفزة في العائد على السندات لأجل 10 سنوات بمقدار 50 نقطة أساس ليصل إلى 4.49%، وهي أكبر زيادة أسبوعية منذ 2001. سُجلت بعض من أشد التحركات خلال ساعات التداول الآسيوية، ما أثار تكهنات بأن بكين كانت تتدخل في السوق. فهل تلجأ الصين فعلاً إلى استخدام هذه الحيازة كسلاح وتبدأ في بيعها؟ شهد العائد على السندات الأمريكية قفزة الأسبوع الماضي، وسُجل بعضاً من أشد التحركات خلال ساعات التداول الآسيوية

تعليق وزارة الخزانة الأمريكية

وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت حاول التقليل من هذه المخاوف. ففي مقابلة أجراها أخيرا مع تاكر كارلسون، تحدث عن "روعة" كون الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مقترض في العالم. قال: "إذا اقترضت من البنك، يصبح البنك صاحب القرار ويمكنه الحجز على ما اقترضت مقابله. أما إذا اقترضت مبلغاً كبيراً جداً، فأنت تصبح صاحب القرار تقريباً".
رغم أن هذا التصور قد يكون صحيحاً في حالات الأزمات المالية، إلا أن هذا المنطق لا ينطبق تماماً على الوضع الحالي. التحول المفاجئ في سياسة الرسوم الجمركية من جانب ترمب كشف عن نقطة ضعف الإدارة الأميركية، إذ تراجع فجأة وأوقف الزيادات على جميع الدول باستثناء الصين، وذلك بعد أن شهدت سوق السندات الأمريكية تراجعاً كبيراً. يحتاج بيسنت، الذي يقود الآن مفاوضات الرسوم الجمركية، إلى سوق سندات مستقرة ليتمكن من بيع مزيد منها. تخطط وزارته لإصدار ديون جديدة بنحو تريليوني دولار العام الجاري، إضافة إلى إعادة تمويل نحو 8 تريليونات دولار من السندات التي يحين أجل استحقاقها. كل زيادة 1% في العائد تعني تكاليف إضافية على الحكومة تُقدر بنحو 100 مليار دولار
.
بيع السندات الأمريكية

لكن هذا الضعف -أي أن البيت الأبيض لا يريد أزمة مالية- يفتح الباب أمام الصين لتستغل الموقف. فإذا أقدمت إدارة ترمب على خطوات تصعيدية "إبداعية" جديدة، يكفي أن تبيع بكين بعض السندات مع بداية جلسات التداول الآسيوية، لتشعر الإدارة الأمريكية فوراً بالضغوط.
لا تحتاج الصين إلى بيع كميات ضخمة من السندات الأمريكية لتُبقي على سردية الهبوط قائمة. من المنطقي أن الدول الأجنبية لم تعد مضطرة للاحتفاظ بكميات ضخمة من الدولارات، طالما أن ترمب مصمم على استخدام حواجز جمركية مرتفعة لتحويل بلاده إلى جزيرة اقتصادية منعزلة.
يواصل الدولار الأمريكي بالفعل فقدان بعض هيمنته في التجارة والتمويل الدوليين. تراجعت حصته من الاحتياطيات العالمية إلى 58% العام الماضي، بعدما كانت تتجاوز 70% قبل عقدين، بحسب بيانات صندوق النقد الدولي. بعيداً عن التوترات التجارية، لم تحقق سندات الخزانة الأمريكية عوائد إجمالية مستقرة في السنوات الأخيرة، وسط تبدل مواقف بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بصورة متكررة بشأن أسعار الفائدة.
وفي الأسبوع الماضي، وردت أنباء عن تعزيز بنك الشعب الصيني لاحتياطياته من الذهب للشهر الخامس على التوالي. أدى ذلك إلى موجة شراء محمومة، مع تزايد الرهانات على أن الذهب أصبح أكثر جاذبية من الدولار الأمريكي. تراجع الدولار الأمريكي، بينما ارتفع الذهب مدفوعاً بتعزيز بنك الشعب الصيني لاحتياطياته من المعدن الثمين للشهر الخامس على التوالي

دراسة خيارات أخرى بعيداً عن أمريكا

بمعنى آخر، في هذا المناخ العالمي المتقلب، حيث تسود مشاعر مناهضة لأمريكا ورافضة للهيمنة، فإن بنك الشعب الصيني لا يحتاج إلى كثير حتى يُضعف مكانة الدولار الأمريكي وسندات الخزانة كملاذ آمن. المستثمرون العالميون مستعدون لدراسة خيارات أخرى. على سبيل المثال، تدرس أكبر صناديق التقاعد في كندا حالياً توجيه استثماراتها نحو أوروبا باعتبارها وجهة بديلة وجذابة لرأس المال.
على منصة "إكس"، أشاد الملياردير ومدير صندوق التحوط بيل آكمان بالتراجع المفاجئ للبيت الأبيض عن قرارات الرسوم الجمركية، واصفاً إياه بأنه "منفذ ببراعة" و"نموذجي لفن إبرام الصفقات".
هذه خطوة ذكية، فهي تُرضي غرور ترمب علناً، لكنها في الواقع تنطوي على قدر من المراوغة. على العكس تماماً، أظهرت سياسات ترمب العشوائية مكامن ضعفه الأساسية. وفي الوقت الحاضر، باتت الفوضى تحيط به داخل الولايات المتحدة الأمريكية. وستجد الصين وسيلة للاستفادة من ترسانة أسلحتها من سندات خزانة أمريكية بقيمة 760 مليار دولار.

خاص بـ"بلومبرغ"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي