صفقات رسوم "يوم التحرير"
"الولايات المتحدة ستبرم صفقات تجارية عادلة"
دونالد ترمب، رئيس الولايات المتحدة
الكل يريد أن يفاوض في ساحة "المعركة" التجارية على الساحة الدولية. واعتاد العالم الأسلوب التقليدي الذي بات مستهلكاً، وهو رفع سقف المطالبات، من أجل الحصول على أفضل صفقة بالتفاوض. أسلوب لم "يخترعه" الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، لكنه الأكثر ممارسة له في كل الميادين، وفي مقدمتها الساحة التجارية. لا مانع من تجميد العمل بالتعريفات الجمركية العالية جداً التي فرضها ترمب على شركائه ومنافسيه، وعلى كل الدول تقريباً. فالرجل قال بوضوح، إنه ليس في عجلة من أمره، في إشارة يفهمها الجميع، بأنه منفتح على مفاوضات (وليس تفاهمات) مع كل الأطراف بمن فيها الصين، "العدو" الألد له تجارياً على الأقل. وفي الواقع، أن هذه المفاوضات لم تتأخر كثيراً، ولاسيما مع الشركاء الأوروبيين واليابان، وبدأت بالفعل اتصالات محورية مع الجانب الصيني.
القاعدة المعروفة للجميع أيضاً، بمن فيهم ترمب، هي أن أحداً لن ينتصر في حرب تجارية عالمية، ستضيف بلا شك، مزيداً من المصائب إلى الاقتصاد العالمي، الذي لا يزال يتعافى من أزمات انفجرت أول العقد الحالي. حتى أن سفير الصين في الولايات المتحدة، قارن بين الكساد الكبير والرسوم الجمركية التي فرضتها واشنطن في 1930، معلناً أن بلاده جاهزة للرد. بكين ردت بالفعل، كما فعلت بقية الدول على تعريفات ترمب، إلا أنها تفضل التفاوض، مستندة إلى المبدأ المشار إليه "لا رابح في هذه الحرب. فلكل طرف في هذه المواجهة سلاحه المؤثر، الذي سيضيف مزيداً من الأذى للمشهد العالمي العام. الأطراف كلها تسرع الآن لصفقات، لا شك ستكون محصلتها متباينة، بين "حليف" و"منافس".
وإذا كانت المفاوضات معقدة بين واشنطن وبكين، فإنها ستكون أقل تعقيداً بين العاصمة الأمريكية وأوروبا واليابان، إلا أنها لن تتسم بالسهولة. فموقف ترمب لا يعطي "الحليف" أفضلية مطلقة، في فترة يعيد الرئيس فيها توصيف الحليف، وشكل العلاقة معه. الأوروبيون الذين ردوا على رسوم ترمب، يميلون إلى التفاوض في كل شيء، أكثر من انحرافهم نحو المواجهات. ولذلك فإن اتفاقاً معهم لن يكون صعباً، كما قال الرئيس الأمريكي نفسه ذلك. دون أن ننسى، أن هذا الأخير دائماً ما يفضل تعبير صفقة على اتفاق، للتأكيد على أن التفاوض يستند إلى الأرقام، أكثر من ارتكازه على العلاقات والروابط التاريخية وغيرها. كل شيء عند الرئاسة الأمريكية بات مرتبطاً بالعوائد المالية، بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى.
لا يوجد حوار رفيع المستوى حتى الآن بين بكين وواشنطن، لكنه بلا شك سيكون الأهم على الساحة الدولية في الأيام المقبلة. فالرسوم الانتقامية بين الطرفين تجاوزت 100%، في ظل مشهد تعمق فيه غياب الثقة. إلا أن أي اتفاق (أو صفقة) سيكون بمنزلة دفعة قوية للحراك الاقتصادي العالمي، ولا سيما من جهة سلاسل التوريد. استمرار المواجهات التجارية، ستزيد من الضغوط المحلية على الرئاسة الأمريكية، حيث ترتفع حدة المخاوف من عودة التضخم إلى الارتفاع بعد أكثر من عامين على "النضال" من أجل خفضه إلى المستوى المقبول. الحوار الصيني الأمريكي سيخفف تلقائياً الاضطراب الحالي، بل سيساعد بصورة أو بأخرى، على تسريع إنجاز صفقات مع دول أخرى.
لا شك في أن من مصلحة الولايات المتحدة إبرام الصفقات مع جميع الدول المؤثرة عالمياً، لأن ذلك سيمنحها قوة دعم كبيرة في أي مفاوضات مع الصين. لماذا؟ لأن أغلبية البلدان، ولا سيما اليابان وأوروبا، تواجه منذ عقود مشكلات تجارية من جانبها مع بكين. فالتفاهم مع واشنطن، يزيد الضغط على الجانب الصيني، وهذا ما يرجوه دونالد ترمب، الذي يرى في بكين "عدواً تجارياً" تاريخياً.