البنوك تستعد للأسوأ وسط احتمال ركود اقتصاد أمريكا
البنوك الأمريكية تتأهب باحتياطيات ضخمة لتغطية الخسائر
البنوك تستعد للأسوأ وسط احتمال ركود اقتصاد أمريكا
عملاء التسهيلات الائتمانية يلجؤون إلى القروض الدوارة وسط حالة عدم اليقين
تباين توقعات خبراء الاقتصاد في البنوك لحدوث ركود من 60% إلى 0%
الركود المتوقع ربما يؤثر سلبياً في الأسرة الأمريكية رغم مديونيتها المنخفضة
صورة مٌكبّرة لوجه بنجامين فرانكلين، أحد الأباء المؤسسين للولايات المتحدة، والمطبوعة على الورقة النقدية من فئة 100 دولار.
رغم تنامي المخاوف من انزلاق الاقتصاد الأمريكي نحو الركود، تؤكد كبرى البنوك في الولايات المتحدة أنها في وضع جيد لمواجهة التحديات، وفق ما أظهرته إفصاحات مكالمات الأرباح الأخيرة.
قال تشارلي شارف، الرئيس التنفيذي لبنك "ويلز فارجو آند كو": إن المؤسسة "تدخل هذا الوضع الاقتصادي من موقع قوة، ويُفترض أن يخدمها ذلك جيداً"، وذلك بعد إعلان البنك أرباحا فصلية بلغت 4.9 مليارات دولار.
يمتلك "ويلز فارجو" حالياً 163 مليار دولار من رأس المال العادي المدفوع، إضافة إلى 15 مليار دولار من مخصصات خسائر القروض، ما يظهر استعداداً لمواجهة تقلبات الاقتصاد. أما البنوك الثمانية الكبرى في الولايات المتحدة مجتمعة، فتحتفظ بنحو تريليون دولار لمواجهة الخسائر المحتملة.
لكن هذا الاستعداد لا يعني غياب التأثير. فقد أوضح جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لـ"جيه بي مورجان تشيس آند كو"، أن البنوك ليست بمنأى عن تداعيات التباطؤ الاقتصادي. وقال: "البنوك مثل سدادة تطفو وسط محيط الاقتصاد. إذا ساءت الأحوال الاقتصادية، سترتفع خسائر الائتمان، وقد تتغير أحجام الأنشطة ومنحنيات العائد".
ورغم امتناعه عن توجيه انتقادات مباشرة للرئيس دونالد ترمب خلال تصريحاته العلنية، فإن ديمون أبدى حذراً لافتاً في تعليقاته، وهو اتجاه عام لدى الرؤساء التنفيذيين للبنوك الأمريكية، إذ لم يأتِ أي منهم على ذكر ترمب صراحة في 10 نصوص لمكالمات أرباح راجعتها الوكالة، رغم تصدُّر ملف "الرسوم الجمركية" أجندة النقاش.
في المقابل، أظهرت الرئيسة التنفيذية لبنك "سيتي جروب إنك"، جين فريزر، مؤشرات على تنامي حالة الترقب في أوساط العملاء التجاريين. وقالت: "معظم العملاء بدؤوا تعليق خططهم، ونشهد تسارعاً في وتيرة الواردات لتكديس المخزونات، إلى جانب توقف الإنفاق الرأسمالي الكبير، بينما ينتظر الجميع مزيداً من الوضوح حول الأجندة الاقتصادية الكاملة".
زيادة القروض
في بعض الحالات، بدأ العملاء بسحب القروض المتاحة لهم لمواجهة الظروف الحالية. سجل "بنك أوف أمريكا" زيادة طفيفة في استخدام التسهيلات الائتمانية الدوارة، في حين لم تشهد بنوك أخرى، مثل "ويلز فارجو" و"جيه بي مورجان" و"بي إن سي فاينانشال سيرفيسز جروب" (PNC Financial Services Group) و"إم آند تي بنك"(M&T Bank)، أي ارتفاع مرتبط بحالة عدم اليقين الاقتصادي.
يُقدر معدل استخدام القروض التجارية لدى بنك "بي إن سي" بنحو 50%، ما يعني أن أي زيادة في هذا المؤشر قد تكون بمنزلة مؤشر مبكر على وجود ضغوط مالية.
مع تفاقم حالة الغموض، يلجأ الرؤساء التنفيذيون للبنوك إلى فرقهم الاقتصادية للحصول على التوجيه. قدرت وحدة الأبحاث في "جيه بي مورجان" احتمال حدوث ركود اقتصادي في 2025 بنحو 60%، فيما وضع "ويلز فارجو" تلك النسبة عند 55%. أما فريق الأبحاث في "بنك أوف أمريكا"، فيرى في الوقت الحالي أن الاقتصاد الأمريكي لن يشهد ركوداً خلال 2025.
رغم هذه النظرة الداخلية الأكثر تفاؤلاً، يعتمد "بنك أوف أمريكا" على إجماع تقديرات المؤسسات الكبرى لتحديد مخصصاته، إلى جانب بعض السيناريوهات المتشددة. ووفقاً لما قاله الرئيس التنفيذي، براين موينيهان، فإن البنك يحتفظ بمخصصات تغطي معدل بطالة يبلغ 6% (مقارنة بـ4.1% حالياً)، وهو نهج أكثر تحفظاً من نظرائه.
البطالة في الولايات المتحدة
رفع "جيه بي مورجان" معدل البطالة المقدر ضمناً في مخصصاته إلى 5.8% من 5.5% بعد أن زاد الوزن النسبي للسيناريو السلبي في توقعاته، أما "ويلز فارجو" فقد ثبت على 5.8% و"سيتي" عند 5.1% (مع سيناريو سلبي يصل إلى 6.7%)، بينما بلغ المعدل لدى كل من "بي إن سي" و"إم آند تي بنك" 5%، مع احتفاظ بنك "بي إن سي" ببعض المخصصات الإضافية.
في حالة "جيه بي مورجان" كانت هذه التعديلات كبيرة إذ اضطر البنك إلى إضافة 973 مليون دولار إلى مخصصاته الاحترازية.
حرصاً منها على إبراز متانة موقفها، استغلت بنوك عدة عروض نتائجها المالية لمقارنة التوقعات الحالية بتجارب سابقة مرت بها.
ذكر ديمون: "نقول هذا لكي تشعروا بالاطمئنان، لا بالقلق. عندما تفشى وباء كورونا، ارتفع معدل البطالة من نحو 4% إلى 15% خلال بضعة أشهر فقط. اضطررنا خلال فترة شهرين إلى إضافة 15 مليار دولار إلى المخصصات. هذا يعطي تصوراً عن حجم الركود الشديد. إذا كان الركود طفيفاً، فسيكون الرقم أقل من ذلك. وإذا كان ركوداً كبيراً، فسيكون أكبر. في جميع الأحوال، يمكننا التعامل مع الأمر وخدمة عملائنا".
اختلاف فترات الركود الاقتصادي
أما "بنك أوف أمريكا" فقد أعاد للأذهان في عرضه أزمة 2008 المالية العالمية إضافة إلى وباء كورونا كنقاط مرجعية، ليُظهر كيف أن وضعه من حيث القروض ورأس المال والسيولة اليوم أقوى مقارنة بتلك الفترات.
أصبح دفتر القروض أكبر حجماً، لكنه يحتوي الآن على نسبة أقل من قروض المستهلكين غير المضمونة وقروض حقوق ملكية المنازل، إضافة إلى محفظة قروض تجارية أكثر توازناً.
رغم ذلك، فإن كل ركود اقتصادي يختلف عن الآخر. كما قالت جين فريزر خلال مكالمتها الخاصة بعرض نتائج الأرباح: "علينا ألا نواجه الأمر بأسلوب الأزمات السابقة نفسه. القضية التي نتصدى لها الآن مختلفة تماماً".
علق موينيهان بقوله: "الركود الاقتصادي أمر - إذا كان ركودا طفيفا للغاية - من المفترض أن نتجاوزه بشكل جيد". أشار إلى أن ديون الأسر لم تبلغ حد الإفراط وتتمتع بميزانيات قوية إلى حد كبير. يبلغ متوسط نسبة القرض إلى قيمة محفظة قروض شراء المنازل لدى "بنك أوف أمريكا" أقل من 50%.
الغموض خطر على البنوك
لكن في ظل إدارة أمريكية تسعى إلى إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي، يواجه مسؤولو البنوك ظروفاً غامضة، إذ قد لا تكون اختبارات الإجهاد التقليدية كافية للكشف بوضوح عن المخاطر المحتملة بصورة كاملة.
اختتم ديمون: "أهم ما في الأمر بالنسبة لي أن يبقى العالم الغربي موحداً اقتصادياً عندما نعبر كل هذه التحديات، وكذلك موحداً عسكرياً، للحفاظ على عالم آمن وحر من أجل الديمقراطية. بصراحة، لا يهمني كثيراً ما سيحدث للاقتصاد خلال الربعين المقبلين حيث إننا سنتجاوز ذلك. لقد مررنا بفترات ركود سابقة".
خاص بـ"بلومبرغ"