رؤية السعودية في عيون خبراء دوليين: استحداث أنشطة من فراغ وإنشاء أذرع تنموية مستدامة

رؤية السعودية في عيون خبراء دوليين: استحداث أنشطة من فراغ وإنشاء أذرع تنموية مستدامة
رؤية 2030 خلقت أرضية سليمة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. تصوير: يوسف الدبيسي - "الاقتصادية"

عندما أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في 25 أبريل 2016 إطلاق "رؤية السعودية 2030"، لم يكن ذلك مجرد إعلان عن خطة اقتصادية أو وثيقة إصلاحية، بل كان بمثابة تدشين لعصر جديد في تاريخ المملكة.

تسع سنوات مضت منذ ذلك اليوم التاريخي، والسعودية لم تعد كما كانت، فقد دخلت مرحلة جديدة من التحول الإستراتيجي، حيث تبني المدن الذكية، وتخلق الصناعات، ويعاد تعريف دور المواطن في التنمية.

مع ذلك، يظل هناك عدة تساؤلات قائمة: هل يقرأ الخبراء الدوليون ما حققته رؤية 2030 خلال تسع سنوات بصورة إيجابية؟ وهل كانوا يتوقعون هذا المستوى من الأداء والتنويع الاقتصادي في فترة قصيرة نسبيا؟ وماذا يعني تضاعف أصول صندوق الاستثمارات العامة، وارتفاع مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي، في نظر مؤسسات التصنيف العالمية؟ وهل كانت المؤسسات الدولية تتخيل أن السعودية ستتحول إلى مركز إقليمي للاستثمار والسياحة والتقنية بهذه السرعة؟ والأهم من ذلك هل بات النموذج السعودي في التحول الاقتصادي والاجتماعي نموذجا يحتذى به في المنطقة وخارجها؟

"الاقتصادية" استطلعت آراء عدد من الخبراء الدوليين حول هذه التساؤلات.

استحداث أنشطة من فراغ في الاقتصاد
الدكتور مارتين بول، خبير في التنمية الاقتصادية ومستشار سابق لعدد من رؤساء البلديات الأسكتلندية، يُعد أن الأرقام نقطة القوة في تقييم ما حققته رؤية 2030 حتى الآن. ويشير إلى أن أحد أبرز أهداف الرؤية كان تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل، وأن التقييمات الدولية للاقتصاد السعودي تشير إلى أنه بدأ يؤتي ثماره بوضوح.

وقال "نما الناتج المحلي الإجمالي السعودي بنسبة مرتفعة جدا منذ انطلاق الرؤية، حيث تفوقت على دول أوروبية كبرى سبقتها بعقود، إن لم يكن قرونا في مجال التصنيع".

وأضاف: "أحد الأدلة على فعالية السياسات الاقتصادية الجديدة تبرز في تنامي مساهمة الأنشطة غير النفطية في الاقتصاد السعودي، باعتبارها محورا أساسيا في الرؤية، بل هناك أنشطة استُحدثت من فراغ في الاقتصاد السعودي مثل الأنشطة الترفيهية كالاستثمار في الفنون، لذا يمكن القول إن إنجازات رؤية السعودية الاقتصادية والاجتماعية تصنع المستقبل".

امتلاك أذرع تنموية
الخبيرة الاستثمارية فيكي شيفيلد ترى أن رؤية 2030 نجحت في منح السعودية أذرعا تنموية فعالة بفضل النمو الهائل في صندوق الاستثمارات العامة.

وقالت "النقطة المحورية في معدلات النمو التي حققتها المملكة ضمن إطار رؤية 2030 لا تكمن فقط في سرعة الإنجاز بل في ديمومته عبر امتلاك أذرع تنموية ذات صفة مستدامة. وهذا يضمن للسعودية أن ما أُنجز حاليا لن ينجز مستقبلا فقط، بل سينجز بمعدلات أعلى وأسرع نتيجة تزايد القوة المالية للأذرع التنموية السعودية. فقد تضاعفت أصول صندوق الاستثمارات العامة ما يجعله من بين أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم".

كوادر فنية في المجال الاستثماري
الباحث في الشؤون المالية والاستشاري السابق في بنك إنجلترا جونسون فينش لا يختلف مع وجهة النظر أعلاه، لكنه يشير إلى عدد من النقاط التي يعتقد أنها تمثل العناصر الرئيسية التي أضافتها رؤية 2030 في الأعوام التسعة الماضية للاقتصاد السعودي.

ويقول "أولا، بات لدى السعودية بفضل الثقل الاستثماري الذي تتمتع به حاليا خبرات متراكمة وكوادر فنية في المجال الاستثماري، تضمن أن السعودية ستكون لاعبا رئيسيا في الاستثمار العالمي، وفي بعض القطاعات مثل الطاقة والمعادن، ستكون اللاعب الرئيسي".

وأضاف "ثانيا، رؤية 2030 خلقت أرضية سليمة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ومن ثم ربطت الاقتصاد السعودي بمسار الاقتصاد العالمي من محاور متعددة وليس محورا واحدا كما كان الوضع قبل عام 2016. ثالثا، يجب الإقرار بأن السعودية امتلكت تاريخيا رغبة في تعزيز دور القطاع الخاص، لكن الرؤية ترجمت الرغبة إلى واقع بفعل سياسات اقتصادية تتسم بالمرونة".

وأكد أن كل هذا أسهم في زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، لكن الأهم أن القطاع الخاص لم يعد فقط نابضا بالحيوية بل أُتيح له المجال للمساهمة في قطاعات ومجالات لم تكن متاحة له في الماضي، ما عزز الخبرات الاستثمارية لدى قطاع الأعمال السعودي، خاصة بين الأجيال الشابة.

إطلاق قوى مجتمعية سعودية
الدكتورة كاثرين سميث، أستاذة علم الاجتماع، ترى أنه بعيدا عن الجانب الاقتصادي، فإن رؤية 2030 نجحت في إطلاق قوى مجتمعية سعودية كانت مقيدة لفترة طويلة، ما منح المجتمع السعودي خلال السنوات التسع الماضية حيوية غير معهودة تم دعمها اقتصاديا لتصبح رفاهية المواطن الاقتصادية والاجتماعية والنفسية في المقدمة.

وتقول "الرؤية لم تقتصر على الاقتصاد فقط، بل وضعت المواطن في قلب أولوياتها. فقد تحسنت جودة الحياة في السعودية بشكل ملحوظ".

وتضيف: "لكن الجانب المهم، إذا جاز التعبير، في رؤية 2030، هو أن المرأة السعودية باتت شريكا فاعلا في التنمية وإدارة المجتمع، بزيادة المشاركة في سوق العمل، بل وتبوؤها مراكز قيادية في صنع القرار. وهذا التطور تكمن أهميته في خلق مجتمع صحي متوازن يعمل على ربط التطور الاقتصادي بتغييرات اجتماعية تضمن استدامة التطور والنمو الاقتصادي مستقبلًا".

القطاع السياحي
الخبير السياحي سيمون لينز يرى أن أحد المرتكزات الأساسية في رؤية 2030 التي أثبتت نجاحا منقطع النظير يبرز في القطاع السياحي السعودي.

ويقول "وسعت السعودية عباءتها السياحية بشكل غير مسبوق، سواء في التنوع أو سرعة الأداء. هذا التدفق السياحي الراهن على السعودية يدعمه أيضا جوانب ثقافية مرتبطة بالقيم العربية ورغبة عالمية في استكشاف التنوع في المعالم السياحية السعودية. لكن الأهم أنه مبني على أسس تضمن له الازدهار المستقبلي، أبرزها البنية التحتية الحديثة، وهذا يمثل حجر الأساس لمكانة لائقة في قائمة مراكز الاستقطاب السياحي ليس فقط في الشرق الأوسط وإنما في آسيا".

يمكن الجزم بأن وجهات نظر الخبراء الدوليين تجاه رؤية السعودية 2030 شهدت تغيرات كبيرة خلال السنوات التسع الماضية. فوجهة نظرهم السابقة بأنها خطة إصلاحية ترتكن على الاقتصاد كمحرك أساسي، تلاشت لصالح فهم أكثر عمقا بأنها مشروع شامل نجح في إحداث تحولات اقتصادية واجتماعية كبرى.

فالمملكة لم تكتفِ بتحقيق أهداف قصيرة المدى، بل وضعت الأساس لتحول هيكلي طويل الأمد، يستند إلى تنويع الاقتصاد، وتعزيز الرفاهية، وتمكين المواطن والمواطنة، ما يجعل من السنوات القادمة فرصة حقيقية لاستكمال هذا المسار الطموح.

الأكثر قراءة