التطوع في السعودية .. مسيرة نحو المليون قبل 6 أعوام من الموعد المحدد
أثمرت المبادرات التي أطلقتها السعودية، ضمن مستهدفات رؤية 2030، عن تحوّل نوعي في ميدان العمل التطوعي والمسؤولية الاجتماعية، تُوّج بتحقيق هدف الوصول إلى مليون متطوع في عام 2024، أي قبل 6 أعوام من الموعد المحدد.
وبحسب التقرير السنوي لرؤية السعودية 2030 لعام 2024، فإن مؤشر نسبة عدد المتطوعين، هو أحد مؤشرات الوعود التي تضمنتها وثيقة الرؤية، وشهد المؤشر زيادة تصاعدية ملحوظة منذ بداية قياسه في عام 2015، حيث حقق المؤشر ارتفاعًا بنسبة 48.3% العام الماضي ليصل إلى 1.237 مليون متطوع مقارنة بـ834 ألف متطوع في 2023، متجاوزا بذلك مستهدفه لعام 2030 مليون متطوع.
تعكس هذه الأرقام، التكامل بين القطاعين الحكومي وغير الربحي في ترسيخ ثقافة التطوع، وتفعيل دور الأفراد في دعم المبادرات الوطنية في مجالات حيوية كالصحة، والتعليم، والبيئة، والرياضة، إضافة إلى الاهتمام السعودي في تعزيز منظومة التطوع الوطني، وتنظيمها بما يُمكّنها من الإسهام الفعّال في التنمية المستدامة.
يذكر أن عدد المتطوعين في السعودية كان لا يتجاوز 34 ألفا في عام 2016، حيث إن هذا النمو المتسارع يعكس تنفيذ مبادرات إستراتيجية، أبرزها إطلاق المنصة الوطنية للعمل التطوعي وتفعيل حوكمة العمل التطوعي.
كما تضاعفت نسبة الشركات الكبرى التي تقدم برامج مسؤولية اجتماعية من 30% في عام 2018 إلى أكثر من 71.6 % في عام 2024، ما يعكس الوعي المتزايد لدى القطاع الخاص بأهمية المساهمة في التنمية المستدامة وتحقيق التكامل الاجتماعي.
وعلى الصعيد الدولي، حققت السعودية تقدمًا ملحوظًا في مؤشر المسؤولية الاجتماعية، حيث صعدت من المرتبة 41 في عام 2021 إلى المرتبة 16 عالميًا في عام 2024، بحسب تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية.
وفي هذا السياق، قال لـ"الاقتصادية"، المتحدث باسم المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي عبدالله الشومر، إن السعودية أولت هذا القطاع اهتمامًا استثنائيًا، ليس فقط بوصفه نشاطًا اجتماعيًا، بل كمكون تنموي يعزز من جودة الحياة ويسهم في بناء مجتمع حيوي ومسؤول.
وأكد، أن رؤية السعودية 2030 شكّلت نقطة تحول في نظرة المجتمع نحو العمل التطوعي، عبر دمجه في الإطار الإستراتيجي الوطني كأحد مؤشرات التنمية المستدامة.
برامج تحفيزية
أشار الشومر، إلى أن السعودية نجحت، عبر جهود متكاملة وبرامج تحفيزية، في الوصول إلى مليون متطوع بحلول عام 2024، متجاوزة بذلك مستهدف الرؤية بـ6 أعوام.
وأوضح، أن برامج الرؤية، خاصة برنامج التحول الوطني، أطلقت مبادرات نوعية لتمكين المتطوعين، منها: بناء ثقافة ومحفزات العمل التطوعي، تطوير منظومة مشاركة فعّالة، وتنظيم التطوع في القطاعين الحكومي وغير الربحي، كما أُطلقت مبادرة خاصة بخدمة ضيوف الرحمن لتنظيم العمل التطوعي في مكة والمدينة.
وفيما يخص التكامل مع القطاعات الحيوية، ذكر الشومر، أن المركز الوطني يعمل على دمج العمل التطوعي المهاري والاحترافي في قطاعات التعليم، والصحة، والبيئة، من خلال مبادرات تشاركية مع الجهات المعنية، مثل إطلاق وحدات تطوع داخل المؤسسات الحكومية، وتفعيل مشاركة طلاب التعليم العام والجامعي في الأعمال المجتمعية المؤسسية.
تغيير نظرة المجتمع
قال لـ"الاقتصادية" المهندس هتان حمودة، مدير عام المسؤولية المجتمعية بأمانة محافظة جدة، إن رؤية 2030 أسهمت بفاعلية في تغيير نظرة المجتمع تجاه العمل التطوعي.
وأوضح حمودة، أن السعودية حققت مستهدف رؤية 2030 بوصول عدد المتطوعين إلى مليون متطوع في 2024، أي قبل 6 أعوام من الموعد المحدد، وهو ما يعظم الجهود التي بذلت لتنظيم وتعزيز العمل التطوعي في مختلف المجالات، حيث تم الإعلان عن بلوغ هذا الرقم في اليوم السعودي والعالمي للتطوع.
وأضاف حمودة، أن هذا التغيير لم يكن عشوائيًا، بل نتيجة لخطة إستراتيجية شاملة تم إسقاطها على جميع القطاعات، سواء الحكومية أو القطاع الثالث غير الربحي، ما خلق بيئة حاضنة للعمل التطوعي، وتمثّل ذلك بإنشاء منصة وطنية تتيح للجهات عرض الفرص التطوعية وللمواطنين والمقيمين المشاركة فيها، بما يتواءم مع مهاراتهم واهتماماتهم.
وحول أبرز المبادرات، أشار حمودة، إلى أن العمل التطوعي في الحج يعد من أبرز النماذج التي تعكس قوة الحراك المجتمعي، حيث أسهم الآلاف من الشباب في خدمة الحجاج، كما شهد القطاع الصحي إطلاق مبادرات نوعية، من ضمنها التطوع في الإسعافات الأولية والتوعية الصحية.
وفي القطاع البلدي، لفت إلى إطلاق فرص تطوعية متنوعة أثرت المشهد الحضري، مثل معالجة التشوه البصري وتحويله إلى أعمال فنية بأيدي المتطوعين، وكذلك الاستفادة من مهارات الشباب في التصوير لتوثيق المبادرات.
أكد حمودة، أن العمل التطوعي أصبح جزءًا أصيلاً في خطط عديد من القطاعات، ولا سيما الصحة والتعليم والبيئة، والتي تطرح فرصًا متعددة عبر المنصة الوطنية، ما يفتح المجال أمام المجتمع للمساهمة في التنمية.
وشدد حمودة، على ضرورة توسيع دائرة الفئات العمرية المشاركة، إذ إن السن المعتمد حاليًا للمشاركة يبدأ من 16 عامًا، مشيرا إلى أهمية تنمية روح التطوع منذ الطفولة، لترسيخ قيم العطاء والمسؤولية الاجتماعية، مبينا أن العمل التطوعي يمنح المشاركين مهارات حيوية كإدارة الحشود والقيادة.