ملك الحزم والعزم والقرارات الاستراتيجية الكبرى
لا جدال في أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز هو رجل المرحلة، وملك الحزم والعزم، فلم يمض على بيعته سوى سنة واحدة؛ وقد تم فيها اتخاذ قرارات تنموية ومصيرية تاريخية، وإذا كنا نعرف الملك سلمان أنه رجل السياسة منذ نعومة أظفاره، وهو ابن الملك المؤسس تربى على يديه، ثم تولى حكم الرياض في ريعان شبابه في ظل حقب سياسية مملوءة بالأحداث الساخنة داخليا والحروب الطاحنة في المنطقة، وكانت الرياض في كل تلك المراحل شاهدة على كثير من الحراك السياسي والازدهار الاقتصادي والارتقاء الاجتماعي تعامل معها جميعا بجدارة وأدار العاصمة لتكون جوهرة بين عواصم العالم العربي والإسلامي.
الملك سلمان كان دائما رجل المبادرة والبسالة، والصدق عند الملمات وفي الوقت ذاته، التخطيط مع وضوح الرؤية والتبصر، وهي المناقب ذاتها التي تقودنا اليوم في مرحلة تاريخية كأنما جمعت فيها كل المراحل التي شهدتها المملكة ومعها عام أدارت أعناق الدنيا إليه وهو في سدة الحكم.
رافق الملك سلمان مسيرة الوطن مع إخوانه الملوك.. فخلال حكم الملك خالد شهدت المملكة ظروفا تاريخية مؤلمة مع الاحتلال الإسرائيلي الغاشم للأراضي اللبنانية، ثم تبع ذلك الهجمة الضالة على الحرم المكي الشريف، كما عاشت المملكة في تلك الفترة ظاهرة ارتفاع أسعار النفط والطفرة الأولى، وفي ظل عهد الملك فهد عاشت المملكة تجارب مختلفة مع الحرب الإيرانية - العراقية وهبوط أسعار النفط وسياسة الترشيد، ثم احتلال الكويت وتحريرها؛ حيث عاودت أسعار النفط ارتفاعها، وبدأ مسار التخصيص مع شركة الاتصالات وغيرها، ثم بعد ذلك إنشاء السوق المالية، وفي ركابها انتعاش كبير في الاقتصاد السعودي، لكن في الوقت نفسه عاد الإرهاب بتغولاته الإيرانية وأذنابها، ووصلت حد التخريب في موسم الحج والتفجير في مدينة الرياض، ثم سقوط بغداد الكارثي.
كل تلك الأحداث الهائلة والمملكة تصر على البقاء في مسارها التنموي الداخلي والحفاظ على وحدة المجتمع ودورها الريادي العربي والإسلامي وتحذيرها المستمر من المتاجرة بقضايا الأمة ومن الانجراف خلف التنظيمات الإرهابية التي ترعاها إيران، ومنها ما يسمى حزب الله، خاصة في تعامله مع قضايا الأمة العربية في مسارها الفلسطيني؛ حيث وقف فيها الملك سلمان يذود برأيه ودوره السياسي، إلى جانب قراراته الإدارية، واستثمار الطفرة الثانية في عهد الملك عبدالله، من جرّاء الزيادات المطردة لأسعار النفط واتجاه المملكة من أجل تعويض فترات الانكماش السابقة.
واليوم جميع هذه الملفات بكل ما فيها من قضايا تاريخية وتعقيدات هي في رعاية وعناية قيادة الملك سلمان لها.. وهل هناك من هو أكثر إدراكا منه لكل تفاصيلها؟ وهو الذي تولى زمام المبادرة في كل تلك الحقب، ولهذا رأيناه وسمعناه منذ اللحظة الأولى لتوليه مقاليد الحكم يصدع بالقرارات الاستراتيجية الكبرى بحجم المرحلة وتحدياتها.
لقد أدرك الملك سلمان بثاقب نظره وعمق تجربته وسعتها أننا نمر بمرحلة نحن فيها بحاجة أشد إلى الاستقرار السياسي والأمن والرفاهية الاجتماعية وإلى دماء شابة في أعلى الهرم السياسي والاقتصادي تتفاعل مع حجم العمل وتنقل المسيرة من طور متقدم إلى ما هو أكثر تقدما.. لهذا جاءت قرارات خادم الحرمين الشريفين بتغيرات قيادية واسعة مثل تعيين الأمير محمد بن نايف وليا للعهد، والأمير محمد بن سلمان وليا لولي العهد ووزيرا للدفاع وغيرها.. سارعت جموع الشعب حينها بمباركتها وتأييدها بالبيعة.
ولأن خادم الحرمين يدرك حجم مسؤولية الحفاظ على أمن الوطن وسيادته لم يغفل عن المؤامرة الإيرانية على المملكة وهو يعرف كل الملفات تماما، جاء قراره التاريخي لدعم الشرعية في اليمن وبقيادة تحالف عربي بشن "عاصفة الحزم" على ميليشيات الحوثي الموالي لملالي إيران والمغامر مع المخلوع صالح، لقطع دابر كل خائن للقضايا العربية والإسلامية مهما كانت التضحيات.
في الشأن الداخلي كان حريصا على مسيرة التنمية الوطنية، لذلك جاءت قراراته كحل جميع المجالس العليا، واستبدالها بمجلسين أحدهما للسياسة والأمن والآخر للتنمية والاقتصاد، وقرارات أخرى تعميقا لمرحلة التحولات التي تقتضي اتخاذ قرارات سريعة لا تفوت فرصة، ولهذا أتت القرارات السياسية والاقتصادية في هذا العام الأول من البيعة قرارات قوية ورادعة وحازمة، كما هي شخصية الملك نفسه، لا مجال فيها للتراخي مع أعداء الوطن مثل إيران وأذنابها، كما حدد بصرامة موقفه من القضية السورية وبأنها قضية عربية في المقام الأول ومن خان العروبة والإسلام فيها فليس له مكان لا في سورية ولا بين العرب قاطبة.
على نحو مواز تأتي تبعا لقوة شخصية الملك سلمان، صدق تلك القرارات الاقتصادية والاجتماعية؛ كصدور تنظيم رسوم الأراضي البيضاء ليعكس الجدية في الإصلاح، وأن يحصل المواطن على حقه في السكن في أرض وطنه، كما أن تحمل الحكومة للعجز القياسي في الميزانية مع بقاء مستويات الدعم والإنفاق ما هو إلا دليل على أهمية المحافظة على مستوى معيشي كريم، واستمرار النمو بتنويعات اقتصادية ضرورية لتخفيض العجز في السنوات المقبلة وعدم إرهاق الاقتصاد به في المستقبل، ومن هذه التنويعات خصخصة كثير من القطاعات الحكومية ورفع الدعم التدريجي عن الوقود وتحسين مستوى الاستهلاك الحكومي للنفقات. ولأننا في طريق برنامج التحول الوطني فنحن إزاء قرارات اقتصادية وطنية ضخمة غير مسبوقة، منها: قياس كفاءة أداء الجهات الحكومية وفق خطط أعدتها بنفسها، مع محاسبة شديدة للمسؤولين، كما نحن بانتظار بيع جزء من حصة الدولة في شركة أرامكو للمواطنين، إلى جانب توجهات لزيادة التعليم الأهلي ومؤسسات التعليم العالي غير الهادفة للربح؛ حيث تم -ومن أجل هذه المرحلة واستباقا لها- دمج وزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم في وزارة واحدة، عليها بذل جهد وإخلاص تسمو به إلى توجيهات قائد هذه البلاد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.. من أجل إحداث التحول الوطني الشامل والانتقال إلى صعيد الإنتاجية صناعيا وتقنيا وبلوغ مجتمع المعرفة الذي نتطلع أن يأخذنا من تقدم إلى ما هو أكثر تقدما.