سر كوزمين وكارينيو
الأسبوع الذي يسبق أي ديربي في الكرة السعودية، تلقى الجملة "مباراة لا تخضع للمقاييس الفنية"، رواجا هائلا في صفحات الجرائد وعلى شاشات التلفزيون وخلال النقاشات الخاصة والعامة، جملة باتت تتصدر المشهد الآن قبل موعد كرة القدم الأجمل في الخليج العربي، حين يلتقي الغريمان الهلال والنصر اليوم.
.. أي مباراة كرة قدم يمكن إخضاعها لمقاييس فنية، إن لم يكن كلها فالجزء الأغلب منها، إذا لماذا هذه الديربي وحده، يشذ عن هذه القاعدة؟ وإذا كانت هذه المواجهة خارج إطار المقياس الفني فأي معيار يتحكم بها ويؤثر فيها؟
.. ونحن نترقب الديربي اليوم، لا يمكن أن ننسى رموزا شاركت بفعالية في هذه المواجهة الساخنة على الدوام، وتركوا بصمة لا يمحوها تعاقب الزمن، وفي الأعوام العشرة الأخيرة لا أعتقد أن لقاء القطبين العاصميين عرف مدربين كما عرف الروماني المثير كوزمين، والأوروجوياني البارع دانييل كارينيو، الأول لم يخسر في أي ديربي أمام النصر طوال قيادته للهلال سوى مباراة واحدة في نهائي كأس فيصل لا يمكن تصنيفها لحساب الفريق الأول، صحيح أن فترة الغيبوبة الصفراء خدمته آنذاك، لكن التاريخ لا يعترف بذلك إلا في التفاصيل، وكارينيو كسر سطوة الأزرق في المواجهات العاصمية، وبدوره لم يخسر إلا لقاء واحدا كان يجلس فيه على كراسي المنصة بعيدا عن فريقه.
كوزمين وكارينيو خير من يجيبنا، على السؤال الحائر: لماذا لا يخضع الديربي لمقاييس فنية؟، يقول أولاريو "الديربي مباراة لا تحتمل إرماشة عين، تحتاج إلى يقظة تامة من الثانية الأولى للثانية الأخيرة، وخلال سير المباراة هناك ضغط نفسي عال يفوق الفني بشكل لا يقارن، من يضبط هذه الانفعالات يمكنه الفوز"، ويستمر كوزمين في نظريته: إذا كانت الفروق الفنية في الديربي متقاربة، على اللاعبين والمدرب أن يتسلحوا بالثقة ويهزوا ما استطاعوا ثقة الفريق المقابل بالسيطرة على الكرة أكثر. ويختم: المعيار الأعلى تأثيرا في الديربي هو الحضور الذهني العالي.
فتى الأوروجواي كارينيو، لعب أول ديربي أمام الهلال وانتصر بهدف، قبل المباراة قال للاعبين: لعبت في حياتي العديد من الديربيات، هناك شيء واحد يحدث الفرق دائما وهو التركيز الذهني العالي، إذا أخطأت لا تفكر في الخطأ، لا تجعله يسيطر عليك، ولا تترك للمنافس فرصة في قيادة المواجهة بنفسه".
وتابع يومئذ: التركيز العالي في كل ثانية من ثواني المواجهة يحسمها.
كوزمين وكارينيو يشيران إلى ما يعرف في علم النفس، بالثبات الانفعالي، وهو القدرة على ضبط الانفعالات تحت أحلك الظروف بما لا يترك أثرا سلبيا على جودة العمل.
من يتذكر مواجهات الهلال والنصر أيام كوزمين، يلاحظ بدقة أن المدرب الروماني العظيم كان ينجح دائما في إعداد فريقه نفسيا، يجيد هز ثقة المنافس بنفسه ثم يفترسه، ومن يتذكر مواجهة الفريقين في عهد كارينيو لا بد أنه انتبه إلى أن الرجل ذا الشعر المجعد كان ينجح في تعزيز ثقة لاعبيه بأنفسهم وتسليحهم بالتحدي.
كوزمين وكارينيو، عرفا السر، ونجحا، قدما مباريات لا تنسى لأنصار الفريقين، واليوم ليس في النصر كارينيو وفي الهلال رجل يشبه بعض كوزمين فنيا، كارينيو ترك للنصراويين الوصفة ورحل، وكوزمين رحل ولم تقرأ تجربته كما يجب.