الشركات العائلية .. قصة «الموت المفاجئ»
وصديقتي تقرأ لي الأسبوع الفائت، خبرا صغيرا في إحدى الصحف الإلكترونية، عن بيع عقارات وأملاك شركة عائلية كبيرة بعد أن انهارت كل وساطات الحل بين الورثة الشركاء، قفز لذهني ما قصة وفاة الشركات العائلية في السعودية أكثر من ذي قبل؟
الإجابة ببساطة ليست معنية بانهيار أو ركود اقتصادي أو سمات سلبية للاستثمار بقدر ما هي أن كثيرا من الشركات العائلية تأسست في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ونحن في الألفية الجديدة بدأت تظهر بوادر أزمة ما يعرف بالجيل الثالث والرابع للشركات العائلية، ومعها بدأت مسبحة تلك الشركات تنفرط واحدة واحدة، إذ تشير دراسة لـ Family Business Institute أن "30 في المائة فقط من الشركات العائلية تمتد إلى الجيل الثاني و12 في المائة إلى الجيل الثالث و3 في المائة إلى الجيل الرابع".
تقول بعض الدراسات إن نحو ستة آلاف شركة عائلية في الشرق الأوسط، تمثل ثقلا كبيرا لاقتصاد المنطقة، لكنها أمام منعطف طرق إما التحول لشركات مساهمة عامة بما يضمن استمراريتها ويقلل من خلافات الشركاء العائليين، ويضمن حوكمة أعلى لصناعة القرار داخل مجالس إدارات تلك الشركات، أو مواجهة السيناريو الأصعب: قصص مأساوية على وسائل الإعلام، وانهيار إمبراطوريات تجارية تحت "مايكروفون المزاد العلني"!.
انتهت صديقتي من قراءة الخبر ولكنها فتحت السؤال الأصعب: على أيتها الدور في الشركات العائلية التي تملأ لوحات استثماراتها شوارع المدن السعودية؟! لتأتي الإجابة ببحث سريع على شبكة الإنترنت: الشركات التي ما زالت مصرة على كلاسيكيتها ورتمها البطيء في اتخاذ قرارات جريئة وعادلة بشأن مستقبلها الذي هو جزء من مستقبل الاقتصاد الوطني.. والمشكلة أنها شركات كثيرة ما يعني أننا أمام مشهد بات يعرف بمشهد "اختفاء الشركات العائلية" على طريقة مثلث برمودا الذي هو هنا: الجيل الثالث، صراعات الإدارة، وفاة المؤسس!
شخصيا، أعتقد أن المؤسسات الرسمية الحكومية يمكنها أن تلعب أدوارا أكبر في إقناع ملاك الشركات العائلية بدخول منظومة الملكية العامة بتحويل حصص كبيرة لدخول شركاء جدد وفق نظام المساهمات العامة، وهو الحل المتاح عالميا للتقليل من مخاطر انهيار الشركات العائلية في ظروف لا تخدم الاستثمار، وينجم عنها قضايا سلبية أخرى كفقدان آلاف العاملين في تلك الشركات وظائفهم وما يسببه الأمر من ضغط على الجهات المعنية بحقوق العمال وبيئة العمل، إضافة لتعثر مشاريع كبرى نتيجة خلافات الشركاء التي تستمر في أروقة المحاكم لسنين طويلة!
الأزمة فعلا، ليست في خبر صغير على عمودين يرمز لانهيار شركة عائلية، بل الأزمة أكبر من منتديات هنا أو ملتقيات هناك لمناقشة القضية، إن مفتاح الأزمة لا توجد له سوى نسخة واحدة، وهي في يد ملاك الشركة العائلية، ولا يمكن لأحد فتح الباب إلا عن طريق الملاك، وعدا ذلك فإن كل أحاديث الحوكمة والإدارة الرشيدة واستدامة الشركات هي مسألة أقرب للتنظير منها إلى الواقع، وخاصة أن من كنا نعتقد أن أسماءهم لن تسقط بسهولة عن لوحات "النيون" في أهم الأبراج الاستثمارية، هم الآن مجرد خبر صغير لا يقرأه سوى بعض القراء على سبيل التسلية والفضول لا أكثر!