ترشيد الدعم الحكومي
"لا نهدف إلى تغيير حياة المواطن العادي، بل الضغط على طبقة الأثرياء الذين يستخدمون الموارد بشكل أكبر".
كان هذا رد الأمير محمد بن سلمان عندما سئل (في أحدث لقاء له على شبكة بلومبيرج) عن آليات توفير نوع من الدعم للطبقة المتوسطة فما دون. وذكر في وسط حديثه أن 70 في المائة من فوائد الدعم الحكومي تذهب لأصحاب الدخل المرتفع.
وذكر الأمير محمد بن سلمان أن إحدى الوسائل هي تقديم دعم مالي بدلا من دعم تكلفة الكهرباء، ومن خلاله يمكن للمواطن أن يخفض استهلاك الكهرباء ويستفيد من المبلغ المالي بطرق أخرى.
وأشارت دراسة أجرتها مؤسسة "أصداء بيرسون ميرستيلير" في دبي، إلى أن 86 في المائة من الشعب السعودي يفترض أن من واجب الدولة تقديم الدعم على الطاقة والكهرباء.
من المعروف أن الهدف من أنظمة الدعم الحكومي للخدمات والسلع الرئيسة يأتي في إطار نظرية التوازن، حيث إنه من الضروري إجراؤه عند هبوط الإنتاج المحلي من هذه الخدمات والسلع الأساسية، إضافة إلى أن الدعم أحيانا يتم لحماية بعض الصناعات والسلع الداخلية من المنافسة الخارجية. ومع مرور الوقت فقد أسلوب الدعم الحكومي جاذبيته لدى جمهور الاقتصاديين والمختصين لأنه لا يتأتى بالفائدة والأهداف الفعلية المرجوة منه.
وفي عام 2013 قدر بعض الاقتصاديين مبلغ الدعم الحكومي بما يعادل 12500 ريال للفرد الواحد بصرف النظر عن كونه مواطنا أو وافدا وبصرف النظر عن مستوى الدخل.
ومن المهم معرفة أن كثيرا من الخدمات التي تقدمها الدولة، التي من المفترض أن تسهم في تعزيز جودة المعيشة، لا تخدم الغرض بسبب سوء التوزيع، ولنا في المياه والكهرباء مثال.
إن سوء توزيع الخدمات والسلع والمساكن في المدن والمناطق كلها يسهم في إرباك النظام المعيشي للمواطن، حيث يضطر إلى أن يدفع مبالغ إضافية أو يقضي وقتا أطول في معاملات أو يتنقل بين الأماكن من أجل قضاء احتياجاته.
بعد بدء تطبيق البرنامج بآليات واضحة ومعلنة، أتوقع أن نرى بعض الأثر الإيجابي على خزانة الدولة، إضافة إلى رضا المواطن نفسه لرفع نسبة العدالة الاقتصادية بين طبقات المجتمع. وعلى الرغم من أن كل مستهلك يدفع فاتورة استهلاكه الشخصي، إلا أنه من المحبط أن يتم وهب الدعم لجميع الطبقات الاقتصادية، الأمر الذي ينهك الميزانية بلا أي داع ويصرف لغير مستحقيه، ولنا أيضا في برنامج الابتعاث مثال، حيث كانت البعثات الدراسية تمنح لجميع الطلاب بصرف النظر عن قدراتهم الاقتصادية وأوضاعهم المادية. والمؤسف أن المبالغة أو الهدر أيضا يؤثر في السلوك الشخصي للمواطن، فمثلا فتح باب الابتعاث بلا قيود شجع كثيرا من الطلاب وأهاليهم على التقديم والمعيشة خارج البلاد لمجرد التمتع والتجربة. المبدأ نفسه ينطبق في حال الدعم غير المقنن، فعندما تظل فواتير الماء والكهرباء منخفضة سيظل الهدر وسوء الممارسة سمة غالبة في السلوك الشخصي، لأنه ببساطة "رخيص" وغير مكلف!
وقد أكد ولي ولي العهد على الحد من الهدر والمبالغة في الإنفاق الحكومي، وهذا مطلوب، لكن من أهم عناصر النجاح ودقة التنفيذ تحديد كيفية حدوث الهدر، وأن التصنيف الفئوي لتكلفة المعيشة من أهم عناصر تعزيز وترسيخ العدالة الاقتصادية.