العهد الاقتصادي الجديد «3»

المحاور الثلاثة لـ«رؤية 2030» هي عبارة عن: مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر، ووطن طموح.
هذه المحاور إن كانت جملا من ست كلمات فقط لكنها لم تأتِ من الخيال، بل تمت صياغتها بعد التفكير المطول فيما يجب أن يكون عليه الوطن بالفعل، بعبارة أخرى تمثل هذه المحاور ملخصا لتوجه الدولة في العقود المقبلة.
وفي رأيي تنقسم جملة الإصلاحات المرتقبة إلى نوعين رئيسيين:
الأول: التحسين. الثاني: التجديد.. التحسين يعنى بتطوير خدمات كانت مهترئة وتعاني الفشل، وتحتاج إلى إصلاح. أما التجديد فهو تقديم وإدخال خدمات وأنشطة لم تكن موجودة سابقا.
ننتقل إلى الضغط على جملة "مجتمع حيوي" (وهي المحور الأول في أيقونة المحاور في موقع vision2030gov.sa) فتظهر ثلاث عبارات: قيمه راسخة، بيئته عامرة، بنيانه متين. ويتم تفصيل كل بند على حدة انطلاقا من الرؤية والتصور نزولا إلى كيفية التطبيق على أرض الواقع.
فبند القيم الراسخة يتحدث عن الهوية الإسلامية للبلاد، وهي عبارة نسمعها منذ عقود في التلفزيون والصحف والمدارس، لكنها ارتبطت في أذهاننا ربما بالمساجد والشعائر الدينية وربما ببعض التفرد والانعزالية عن العالم أو ما يشتهر بالخصوصية السعودية. كيف أثر فينا هذا إيجابا كمجتمع يسعى إلى التنافسية؟
تقدم الرؤية إجابة جديدة لهذا السؤال فتقول "ستكون نقطة انطلاقتنا نحو تحقيق هذه الرؤية هي العمل بتلك المبادئ، وسيكون منهج الوسطية والتسامح وقيم الإتقان والانضباط والعدالة والشفافية مرتكزاتنا الأساسية لتحقيق التنمية في شتى المجالات".
إذن فالإجابة لم تتسم بالخيال والمثالية بل كانت حزمة من المبادئ العملية التي سيتصف بها مشروع التنمية: الإتقان، الانضباط، العدالة، والشفافية.
الإتقان: يعني أن يتم تقديم الخدمات إلى المواطن والمستخدم بسرعة جيدة ودون أعطال متكررة. الإتقان: يعني إنجاز المشاريع في الوقت المحدد بمستوى عال من الجودة. الإتقان يعني عدم التجاوز عن الخطأ وكأنه لم يحدث، أو التهاون في أداء المهام باعتبار أنها "صغيرة".
الانضباط: يشير إلى جملة من السلوكيات أهمها احترام الزمن والخلو من الفوضى، وينطبق على الأشياء الصغيرة مثل حضور الوزير وكاتب العدل والطبيب والمستشار وأي موظف في مواعيده وأداء واجبه، ومن ثم الانصراف بعد الانتهاء، وليس مثلما يحدث من تأخير وتغيب دون حسيب ولا رقيب.
العدالة: كلمة ثقيلة في ميزان البشرية، ونادرا ما تتحقق في الأنظمة المدنية فيما عدا القليل من الدول، وحتى هناك تظل المسألة نسبية. العدالة تعني أننا سنلغي مفهوم الواسطة "على الأقل" من حياتنا اليومية. العدالة تعني أن ابن الوزير لا تتجاوز فرصته في التعليم أو التعيين فرصة ابن الموظف البسيط. العدالة تعني أن المنجز يكافأ والمتجاوز يساءل ويعاقب. العدالة تعني أن الحراك المجتمعي social mobility والنمو الاقتصادي للأشخاص متاح للمجتهد، في ظل النظام وبسبب تكافؤ الفرص.
أما الشفافية فهي نهج وأسلوب أداء، بدأت الدولة في تطبيقه متمثلا في الوزارات والإدارات منذ عهد المغفور له ــ بإذن الله ـــ الملك عبدالله، حيث أصبحت البيانات أكثر توافرا "بدرجات متفاوتة" ووضوحا، سواء في الطرح الإعلامي أو البيانات المقدمة في المواقع ووسائل التواصل. أيضا أصبح الحديث عن قضايانا وتحدياتنا أكثر صراحة وبات المواطن يشعر بالانتماء فقط من خلال التنفيس عن شعوره وآرائه براحة واحترام دون خوف أو قلق. لكن لا يزال الطريق طويلا.
كل هذه مجرد تأملات في بند "المجتمع الحيوي"، التي تدل على أن التغيير لن يتم بالأقوال والعبارات الرنانة بل سيبدأ بالأفعال والتطبيق، وبعد تحقيق الهدف تكون العبرة بالنتائج.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي