«جاستا» .. لنعيد التهم لرعاة الإرهاب الحقيقيين
أثار نقض مجلس الشيوخ والنواب الأمريكي اعتراض الرئيس الأمريكي على ما يسمى قانون "جاستا" - أو العدالة ضد داعمي الإرهاب- موجة من الغضب في أنحاء كثيرة من العالم خصوصا المستهدفة حاليا من هذا القانون وهي المملكة. ويتيح القانون للمواطنين الأمريكيين المتأثرين بالإرهاب رفع قضايا تعويض ضد الدول التي يعتقد أنها قدمت دعما للإرهاب. وتتهم بعض عائلات ضحايا اعتداءات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 المملكة جورا وبهتانا بتقديم دعم لمنفذي الهجمات. وقد استاءت المملكة من توجيه تهم من هذا النوع ليس خوفا من مطالبتها بتعويضات مالية لعائلات الضحايا فقط، ولكن لأن هذه التهم تسيء للمملكة وتشوه معتقداتها وأخلاقها وتاريخها الطويل الحافل والداعم لجهود الأمن والسلم العالميين والالتزام بالقانون والاتفاقات الدولية.
ويتعارض القانون المشار إليه مع أبسط قواعد القوانين الدولية التي تضمن استقلال الدول وحصانتها من القوانين في الدول الأخرى. ففرض قوانين دولة على دولة أخرى ينتقص من سيادة الدول المعنية ويعرضها لتدخلات الدول الأخرى، وهو شكل من شكل الاستعمار القانوني. وتنص دساتير دول العالم على سريانها في حدودها الجغرافية، أما تطبيقها خارج حدودها فهو تصرف استعماري لا تقبله الدول المستقلة، كما أنه يتعارض مع مبادئ الديمقراطية التي تتشدق بها الولايات المتحدة. وفي حالة وجود خلاف بين دول العالم فعليها اللجوء إلى القانون الدولي المتفق عليه بين الدول لفض الخلافات والنزاعات.
إن هذا القانون سابقة خطيرة في النظام الدولي وسيجر في حالة تطبيقه إلى التأثير سلبا في العلاقات المتميزة والاستراتيجية بين المملكة والولايات المتحدة التي تمتد لأكثر من ثمانية عقود. حيث تعاونت المملكة تاريخيا مع جهود الولايات المتحدة للتصدي للمد الإلحادي الشيوعي لأكثر من نصف قرن، كما تتعاون حاليا في طيف واسع من المجالات الاقتصادية والسياسية والعلمية والأمنية كجهود محاربة الإرهاب. إضافة إلى ذلك توجد استثمارات ضخمة للمملكة في الولايات المتحدة، واستثمارات أمريكية في المملكة. وتلعب هذه الاستثمارات دورا مهما في النشاط الاقتصادي في البلدين وتوفر فرص عمل كثيرة في الجانبين، كما يرتفع حجم التبادل التجاري إلى مستويات مؤثرة في اقتصاد البلدين.
يمكن أن يتسبب القانون الأمريكي في ردة فعل معاكسة في باقي دول العالم من خلال سن قوانين مماثلة تتيح تعقب الحكومة الأمريكية والمواطنين الأمريكيين في قضايا لا حصر لها، حيث لا توجد مصيبة أو كارثة سياسية خلال المائة سنة الأخيرة لم تلعب الحكومة الأمريكية (أو الشركات أو المواطنون الأمريكيون) دورا فيها، بدءا من استعمار الجزائر ومرورا باحتلال الفلبين وكوبا ودعم جرائم إسرائيل، واحتلال العراق، وتدمير فيتنام وأفغانستان ودعم الظلم والطغيان في أرجاء العالم كافة. ويقدر البعض تسبب الولايات المتحدة في مقتل 60 مليون إنسان منذ الحرب العالمية الثانية. أما بالنسبة للإرهاب فإن هناك كثيرا من المنظمات والشخصيات الأمريكية الإرهابية مثل جمعية الدفاع اليهودية، والكي كي كي، والفهود السود، كما أن أول من اختطف طائرة كان أمريكيا، والذي أحرق المسجد الأقصى كان أمريكيا.
وعلى الرغم من أنه قانون جائر إلا أن أهمية الولايات المتحدة وإقراره يحتمان ضرورة التعامل مع نتائج تفعيله، وقد بدأت بعض العائلات برفع قضايا تعويض ضد المملكة. إن رفع قضايا التعويض يستغرق كثيرا من الإجراءات في القضاء الأمريكي ويكلف كثيرا من الأموال ويستغرق سنوات. ويتصف القضاء الأمريكي بدرجة عالية من النزاهة ويصعب إثبات جرائم على مرتكبيها الفعليين ناهيك عن إلصاق تهم بالأبرياء خصوصا إذا كان لدى المتهمين محامون متمرسون، ولهذا فإن هناك فرصا منعدمة لإثبات أي علاقة أو مسؤولية للمملكة بهجمات سبتمبر، وعلينا ألا نبالغ كثيرا في القلق من هذا القانون. ومع هذا ينبغي أخذ الحيطة والحذر والتعامل بشكل جدي مع قانون "جاستا" من خلال تشكيل فريق قانوني متميز ووضع استراتيجية قانونية سليمة لإفشال أي محاولة لابتزاز المملكة. ولا ينبغي أن تقتصر استراتيجية المملكة على رد التهم فقط، ولكن يمكن استغلال القانون الأمريكي الذي يضمن عدالة المحاكمات في إثبات براءة المملكة – وهي بريئة دون شك – من التهم الملصقة بها. ويمكن للمملكة أيضا استخدام القانون الأمريكي في رفع قضايا على من يتهمها ويتهم الإسلام بدعم الإرهاب، كما يمكن تفحص الدستور الأمريكي لإثبات عدم اختصاص المحاكم الأمريكية بالقضايا بين الدول، وعلينا اللجوء إلى المعاهدات والقضاء الدولي لدحض الافتراءات على المملكة. ولا توجد أي أدلة على أن المملكة أو معتقداتها أو أنظمتها تدعم الإرهاب، بل إن كل الدلائل والأحداث تثبت أنها من أكبر ضحايا الإرهاب ومستهدفة به. ويمكن إعادة توجيه تهم دعم الإرهاب للرعاة الحقيقيين للإرهاب مثل الحكومة الإيرانية التي احتضنت ودربت ودعمت الجماعات الإرهابية. أما بناء قضايا دعم الإرهاب على أساس جنسية مرتكبيها فهي قضية خاسرة، لأن الإرهابيين عبر التاريخ يحملون كل الجنسيات، كما لا يوجد قانون أو تشريع في العالم يعاقب المجتمعات والدول والعائلات على جرائم منتسبيها. وتحرم جميع الشرائع السماوية ومبادئ حقوق الإنسان امتداد الجرائم إلى غير فاعليها، وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى. أما اتهام الحكومة السعودية بالتقصير فهو بلا سند، حيث تبذل المملكة جهودا كبيرة وتسخر موارد وطاقات بشرية هائلة في مواجهة الإرهاب، ويمكن تحميل الحكومة الأمريكية الجزء الأكبر عن مسؤولية حماية رعاياها في أحداث سبتمبر من خلال سماح أنظمتها بتدريب المختطفين على أراضيها دون تدقيق قانوني على المتدربين، وكذلك عدم توفير حماية جوية لمدنها الرئيسة، والتقصير في إجراءات تفتيش المسافرين التي يسرت اختطاف الطائرات.