المباني المريضة
لطالما عانى محمد وعائلته من الحساسية وكثرة العطاس في منزلهم الجميل الذي لا يشكو من النظافة، حيث إن لديهم خادمتين تعملان على أن يكون كل شيء نظيفا, وكانت هذه الحساسية المزعجة تتكرر عند الدخول والخروج من المنزل, راجع محمد وعائلته المستشفيات لكن الإجابة المعتادة من كل طبيب أن السبب هو تغير الأجواء والغبار والحر التي تعد سمة أغلب السنة في مدينة الرياض, وفي أحد الأيام دخل أحد أقارب محمد لبيته وانتبه لنوع الشجرة الموجودة في حوش منزله عند المدخل, وأبلغه أن هذا النوع من الشجر لا يصلح لبيئتنا لأنها تحتفظ بالغبار وتثير الحساسية في الأجواء ونصحه باقتلاعها لأنه عانى منها شخصيا, ومع عدم قناعة محمد في البداية إلا أن الحالة المزعجة لوضعه وأهله جعلت من اقتلاع الشجرة فكرة لا بأس بها, وفعلا شعر بارتياح كبير وخفت أعراض الحساسية بشكل ملحوظ بعد التخلص من الشجرة. وما حدث لمحمد ويحدث لكثيرين غيره من تردي حالتهم الصحية بسبب بيئة المباني التي يسكنونها أو يعملون بها يعرف بمصطلح يصف وضع هذه الحالات وهو "متلازمة المباني المريضة".
هذا المتلازمة تعرف بأنها مجموعة معينة من الآثار الصحية التي تؤثر بشكل كبير على راحة الإنسان عند وجوده في مكان معين وفي وقت معين, وقد تتعدد الأعراض من حكة في العين وتهيج في الأغشية الأنفية والصداع والطفح الجلدي والخمول إلى أن يصل الأمر لأعراض أكثر حدة مثل الخمول والدوران والآلام, ووفقا لبحث قام به البروفيسور محمد بن علي باحبيل من كلية العمارة والتخطيط في جامعة الملك سعود, الذي استعرض فيه أهم المسببات لمتلازمة المباني المريضة لمجموعة منازل في الرياض, وجد فيها أن هناك ستة أصناف تحفز حدوث المتلازمة, وهي:
أولا, جودة التهوية التي وجدت الدراسات أن لها علاقة مؤثرة على صحة القاطنين في المبنى, ولذلك كانت التوصية بأهمية وجود مراوح الشفط في المطابخ وذلك لتنقية الأجواء من روائح الطبخ والدخان المصاحب له, وكذلك دورات المياه وذلك لتجنب الرطوبة التي تعد بيئة خصبة للفطريات وتسبب تلف المواد الخشبية, كما يجب أن يتم تنظيف صفايات المكيفات كل فترة لا تزيد عن الشهرين, وبشكل عام لا بد من الحرص على تغيير هواء المبنى عن طريق المراوح أو فتح النوافذ من حين لآخر.
ثانيا, الغبار الذي يصعب التخلص منه خاصة في المدن ذات الطبيعة الصحراوية مثل الرياض ولذلك ينصح بالاهتمام بنظافة السجاد والستائر في فترات متقاربة, وكذلك التخلص من الأشجار التي يتراكم فيها الغبار, وكذلك تنظيف أوراق شجر الزينة داخل المنازل وعدم ترك الغبار يتراكم عليها, كما يجب الحرص عند تصميم الديكورات الجبسية في الأسقف وألا تحتوي على فراغات أو أماكن يصعب تنظيفها وتتراكم فيها الأتربة لتكون مكانا موبوءا من الصعب تنظيفه بشكل دوري.
ثالثا, الملوثات الكيميائية, مثل المواد المنظفة والمعطرة ومبيدات الحشرات التي ينصح باستخدامها على نطاق ضيق والحرص على عدم الوجود في المنزل بعد استخدامها.
رابعا, التلوث البيولوجي التي تشمل الفطريات والبكتريا والعفن وكذلك حبوب اللقاح في الأشجار والنخيل.
خامسا, التلوث الضوضائي سواء داخل المبنى أو خارجه, التي وجد الباحث أنها تصدر من المكيفات القديمة بالذات داخل المنازل, بينما أغلب الضوضاء الخارجية تأتي من حركة مرور السيارات وأبواقها, وكذلك معدات البناء والصيانة, وأصوات الطائرات في حال السكن أو العمل بالقرب من المطار.
سادسا, الإضاءة التي تنقسم إلى طبيعية أو كهربائية, وقد أوصى الباحث بالحرص على تيسير منافذ دخول الإضاءة الطبيعية للمنزل في أوقات النهار وحاليا هناك كثير من المباني التي اتجهت إلى استغلال الإضاءة الطبيعية وذلك بإعادة هندسة تصميم المبنى واستخدام المنور Skylight, أما الإضاءة الكهربائية فلا بد من الحرص على الأنواع التي تعطي طابع الإضاءة الطبيعية من حيث المظهر ومن أفضلها نوع LED إضافة إلى أنها موفرة في استهلاك الكهرباء, ومما يجب التأكيد عليه هو تغيير أي مصباح يبدأ في إعطاء أشعة ضوء متذبذبة مما ثبت أنه يسبب الصداع ويؤثر على العين, وكذلك تغيير المصابيح ذات الاستهلاك العالي للكهرباء التي في الوقت نفسه تبث أشعة حارة وبذلك ترفع درجة الحرارة وتزيد من استهلاك التكييف والحاجة له.
الخلاصة, من المهم في حال رغبتك في تصميم منزلك أو مكان عملك الاهتمام بهذه العناصر المؤثرة على البشر الموجودين في الموقع, وهذا التأثير لا شك أنه سيطال جودة الحياة في المنزل الذي يجب أن يتسم بالراحة والاطمئنان, أما في موقع العمل فتؤثر بيئة العمل الصحية على أداء وإنتاجية العاملين, وأخيرا من التوصيات المهمة مراجعة جميع أجزاء المنزل والبحث عن أي أمور من التي تم ذكرها ومحاولة تحسينها وتعهدها بالنظافة أو تغيير ما يلزم تغييره لرفع جودة البيئة المحيطة بنا, مع تمنياتي لكم بدوام الصحة والعافية.